الحمد لله.
أولاً:
إذا تبين لك أنها على علاقة محرَّمة مع أجنبي ، أو تبيَّن لك زناها ، أو اعترفت هي لك به : جاز لك التضييق عليها لتتنازل عن مؤخر صداقها .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/ 19 .
والفاحشة ليست هي الزنا فقط ، بل ويدخل في لفظها : النشوز والعصيان للزوج ، وسبه وسب أهله ، ومن باب أولى دخول علاقتها المحرمة مع أجنبي في هذا اللفظ ، وفي حكمه .
قال ابن كثير - رحمه الله - :
وقوله : ( إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد بن المُسَيَّب ، والشَّعْبِيُّ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، وسعيد بن جُبَيْرٍ ، ومجاهد ، وعِكْرَمَة ، وعَطاء الخراسانيّ ، والضَّحَّاك ، وأبو قِلابةَ ، وأبو صالح ، والسُّدِّي ، وزيد بن أسلم ، وسعيد بن أبي هلال : يعني بذلك الزنا ، يعني : إذا زنت : فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها ، وتُضَاجرهَا [ تضيق عليها ] حتى تتركه لك وتخالعها ، كما قال تعالى في سورة البقرة : ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) البقرة/229 .
وقال ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك : الفاحشة المبينة : النُّشوز والعِصْيان .
واختار ابن جرير - أي : الطبري - أنَّه يَعُم ذلك كلَّه : الزنا ، والعصيان ، والنشوز ، وبَذاء اللسان ، وغير ذلك .
يعني : أن هذا كله يُبيح مضاجرتها حتى تُبْرئه من حقها ، أو بعضه ، ويفارقها ، وهذا جيِّد ، والله أعلم .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 241 ) .
ولا بدَّ أن تعلم أن مجرد زنا الزوجة لا يُسقط مهرها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
ولا يسقط المهر بمجرد زناها ، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي ، قال : لا ، مال لك عندها ؛ إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها ، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد ذلك " ؛ لأنها إذا زنت قد تتوب ، لكن زناها يبيح له إعضالها ، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه ، أو تتوب .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 320 ) .
ثانيا :
ما تأخذه المرأة من مال زوجها دون علمه له حالتان :
الحالة الأولى : أن يكون ذلك للإنفاق على نفسها ، وعلى أولادها ، وبيتها ، ويكون سبب فعلها ذلك : بخل زوجها ، وشحه في النفقة .
الحالة الثانية : أن يكون ذلك الأخذ لشراء كماليات ، أو لإعطاء المال لأهلها ، أو ما شابه ذلك من حالات الإنفاق .
وفي الحالة الأولى : لا يحل للزوج مطالبتها بهذا المال ؛ لأنها أخذت ما هو حق لها ؛ لأن نفقة الزوجة والأولاد واجبة على رب البيت ، وإذا قصَّر فيها ، أو منعها : جاز لها الأخذ من ماله ، ولو دون علمه .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قالت هند - امرأة أبي سفيان - للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبا سفيان رجل شحيح - ( أي : بخيل ) - ، و ليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ، قال : ( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ ) .
رواه البخاري ( 5049 ) ومسلم ( 1714 ) .
قال النووي - رحمه الله - في ذِكر فوائد الحديث - :
ومنها : أنَّ مَن له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه : يجوز له أن يأخذ من ماله قدْر حقه بغير إذنه .
" شرح مسلم " ( 4 / 373 ) .
وفي الحالة الثانية : لا يحل للزوجة أخذ شيء منك بغير إذنك ، فإن فعلت أثمت ، ولك أن تطالبها بما أخذته ، وإن رفضت : فلك أن تستوفي مالك من مؤخر صداقها ، أو مما لها من مال في ذمتك .
ثالثا :
الأصل أن الأم أحق بحضانة أولادها – قبل سن السابعة - ما لم تتزوج ، وليس المقصود بالحضانة الطعام والشراب والإيواء المادي فقط ، بل التربية ، والتعليم ، والرعاية النفسية والخلقية ، فإن كانت الأم كافرة أو فاسقة فلا يجوز تمكينها من حضانة أولادها ، وليست العبرة في الحضانة كون الحاضن أباً أو أمّاً ، بل العبرة بما يقدمه للمحضون من رعاية وتربية على الإسلام ، وعليه : فأحق الوالديْن بالحضانة : أحسنهما دِيناً ، فإن كانت الأم بعد تطليقها على غيها ومعصيتها : لم يجز تمكينها من حضانة أولادها ، وتكون الحضانة للأب ، وإن تابت وأنابت : فهي أحق بحضانتهم ما لم تتزوج ، و ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
قال شيخنا – أي : ابن تيمية - : وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي وأمْره الذي أوجبه الله عليه : فهو عاصٍ ، فلا ولاية له عليه ، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته : فلا ولاية له عليه ، بل إما أن تُرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب ، وإما أن يُضم إليه من يقوم معه بالواجب ، إذ المقصود : طاعة الله ورسوله بحسب .
قال شيخنا : وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء سواء كان الوارث فاسقاً أو صالحاً بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب والعلم به وفعله بحسب الإمكان .
قال : فلو قُدِّر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته ، ولا تقوم بها ، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرَّة : فالحضانة هنا للأم قطعاً .
قال : ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً ، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً ، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البَرِّ العادل المحسن ، والله أعلم .
" زاد المعاد " ( 5 / 475 ، 476 ) .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 20705 ) .
رابعا :
طلاق الحامل طلاق شرعي ، موافق للسنَّة ، ويعتقد كثير من العامة أنه لا يقع ، وقولهم لا أصل له في الشرع ، بل هو طلاق سنِّي .
وقد روى مسلم ( 1471 ) قصة طلاق ابن عمر لامرأته وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم " مُرْه فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً " .
قال ابن عبد البر – رحمه الله - :
وأما الحامل : فلا خلاف بين العلماء أن طلاقها للسنَّة ، من أول الحمل إلى آخره ؛ لأن عدتها أن تضع ما في بطنها ، وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه أمره أن يطلقها طاهراً ، أو حاملاً ، ولم يخصَّ أول الحمل من آخره .
" التمهيد " ( 15 / 80 ) .
وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في حكم طلاق الحامل في جواب السؤال رقم ( 12287 ) .
وتستطيع ـ حينئذ ـ أن تطلق زوجتك طلقة واحدة رجعية ، وأنت بالخيار بعدها ، إما أن تراجعها في العدة – وهي هنا وضع حملها – إن رأيت صلاحها واقتنعت بتوبتها ، وإما أن تنتظر انتهاء عدتها فتصير بعده بائنة بينونة صغرى ، فتصبح حرة نفسها ، وتستطيع إرجاعها برغبتها وبموافقة ولي أمرها بعقد ومهر جديدين ؛ لأنها أجنبية عنك .
وليس لك تطليقها ثلاث طلقات في مجلس واحد ، ولا بلفظ واحد ؛ لأنه تطليق مخالف للسنَّة.
وانظر جواب السؤال رقم (36580) .
والله أعلم .
تعليق