الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

كيف يحيا التائب مِن فعل الكبائر بين الناس حياة كريمة ؟

تاريخ النشر : 23-09-2016

المشاهدات : 33271

السؤال


كيف يمكن أن يعيش الذي عصى الله بالكبائر كالزنا والظلم حياة الطهر بعد ذلك ، خصوصا أن الذي زنى ، يكون معروفا بين الناس أنه زنا ، ويكون ، حتى لو تاب : ساقطا من عيون الناس ؛ فكيف السبيل إلى حياة الطهر ؟

الجواب

الحمد لله.


من عصى الله بالكبائر ، واجترح السيئات العظائم ، ثم تاب وأناب وأخلص وصدق مع الله : تاب الله عليه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
وإن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، ويفرح بتوبة عبده ، ويقربه ، ويدنيه ، ويكفر عنه سيئاته ، ويبدل سيئاته حسنات ، والتائب حبيب الله ، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة/ 222 .
ولمعرفة شروط التوبة الصحيحة راجع جواب السؤال رقم : (13990).
ويمكن لمن تاب وأناب أن يحيا بين الناس حياة كريمة ، وأي شيء يمنعه من ذلك ؟ وقد فتح الله له باب التوبة ، ورضي منه بالرجوع إليه ، ومن رضي الله عنه أرضى عنه الناس ، ومن أحبه الله كتب له القبول في الأرض .

فمن تاب وأحسن وأصلح وأحب أن تتغير نظرة المجتمع والناس إليه فعليه بما يلي :
- أن يصدق في التوبة فعلا ، ويحقق شروطها حتى تكون توبة صحيحة .
- أن يترك صحبة أهل الشر والفساد، ويصاحب أهل الخير والصلاح ، والمرء على دين خليله ، فيراه الناس مع أهل الخير ، يقتدي بهم ، ويهتدي بهديهم .
- أن يقبل على طاعة ربه ، ويكثر من أعمال البر ، فيصلي في المساجد ، ويحضر حلق الذكر وتلاوة القرآن ومجالس العلم ، ويقبل على طلب العلم .
- أن يسعى في مرضاة الله بالقول والفعل والنية الحسنة ، فإن من التمس رضا الله رضي عنه وأرضى عنه الناس ، وقد روى ابن حبان في صحيحه (276) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عليه الناس ) .
وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (2250) .
- أن يخالق الناس بخلق حسن ، وتظهر منه صفات النخوة والكرم والنجدة والإيثار ، فيرى الناس فيه شخصا آخر ، قد تغير حاله ، وتبدل من السيئ إلى الحسن .
- أن يحسن إلى من أساء إليهم ، ويثني بالخير على من كان بالسوء يذكرهم.
- أن يحسن سريرته ، ويراقب ربه ، ويراجع نفسه ، ويحاسبها ، فتستقيم على طاعة الله ولا تزيغ ولا تروغ .
- أن يشتهر بين الناس بعد التوبة بخلاف ما اشتهر بينهم قبل التوبة ، بالعفة ، والصدق ، وحفظ اللسان ، وطيب الكلام ، وخفض الجناح ، وغير ذلك من محاسن الأخلاق .
- أن يدعو الله أن يقبِل بقلوب عباده إليه ، ولا ينفرهم منه ، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ، يقلبها كيف شاء .

والواجب على إخوانه المؤمنين أن يقبلوا التائب بينهم ، وأن يعينوه على التوبة والاستقامة ، وألا يكونوا عونا للشيطان عليه ، فلا تجوز مقاطعته ولا معاقبته ولا لومه مادام قد تاب ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
فإن رأى أن الأمر لا يستقيم له أيضا في بيئته تلك ، وفي مجتمعه ، الذي لم يتخلق بالخلق العالي ، فالنصيحة له أن يغير ذلك المكان الذي لبث فيه ما لبث ، وعرف فيه بالمعصية والسوء ، ووجد له فيه من الأعوان من سهل له المعصية أو أغراه بها ، أو من عيره بها بعد ذلك ؛ فقد يكون من الخير له في ذلك كله : أن يغير بيئته تلك ، وبلده التي واقع فيها معصية ربه ، وليبدأ صفحة جديدة ، في مجتمع جديد ، يستقبله بتوبة نصوح ، وخلق فاضل .
وتأمل يا عبد الله قصة ذلك الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ؛ فأي ذنب أشنع وأفظع من ذلك ؛ إلا أن الله جل جلاله تداركه برحمة منه ، ومن عليه بتوبة نصوح .
ثم الشاهد من القصة : أن الرجل العالم العاقل ، نصحه بألا يرجع إلى بلده ، بلد السوء التي نشأ فيها على المعاصي ، وأمره أن يتركها إلى بلد آخر ، بها قوم صالحون ، يعبد الله بينهم :
روى البخاري (3470) ، ومسلم (2766) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَه ُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ " .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وفيه فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك والفتنة بها وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه ولهذا قال له الأخير ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية والتحول منها كلها ، والاشتغال بغيرها " انتهى ، من "فتح الباري" (6/517) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب