الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

هل يستأذن الرجل زوجته في صوم التطوع كما هو الحال معها ؟

السؤال

المرأة تستأذن زوجها في أن تصوم ، أعني في غير شهر رمضان ؛ وذلك لأنه من حقه أن يأتيها متى يشاء ، ومن الواجب عليها أن تطيعه ، فهل لها هي الأخرى حق بأن يستأذنها في أن يصوم ؟.

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

نهى النبي صلى الله عليه وسلم الزوجة أن تصوم تطوعاً وزوجها شاهد إلا بإذنه .

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ ) . رواه البخاري ( 5195 ) ومسلم ( 1026) .

ولفظ أحمد (9812) : ( لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ يَوْمًا وَاحِدًا وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ إِلا رَمَضَانَ ) حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (1052) .

قال النووي :

هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين , وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا , وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام , وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي . " شرح مسلم " ( 7 / 115 ) .

ثانياً :

وأما سبب ورود النهي للمرأة دون الرجل فيمكن استنباط الحكمة من ذلك :

1- حق الزوج على زوجته آكد من حقها عليه ، فلا يصح قياس الزوج على الزوجة في هذا .

قال ابن قدامة في "المغني" (7/223) :

" وَحَقُّ الزَّوْجِ عَلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ حَقِّهَا عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) . وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ , لأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ ; لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (3/144) :

" وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ حَقِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْجَبَ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ , حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( لَوْ كُنْت آمِرًا لأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِعِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا ) " انتهى .

2- أن الزوج – غالباً – هو الطالب للجماع ، والمرأة هي المطلوبة ، فالأكثر والأغلب أن تكون الرغبة منه إليها ، فناسب أن تستأذنه قبل صيام النفل ، إذ قد تكون له رغبة في جماعها .

3- شهوة الرجال أكبر وأعظم من شهوة النساء ، ولذا أبيح للرجل الزواج من أربع نسوة ، وليس هذا الأمر في النساء ولا لهن ، ولذا – أيضاً – كان صبر الرجال على ترك الجماع أضعف من صبر النساء ، ولذا جاء الاستئذان لهن ، وجاء الوعيد لهن في امتناعهن من الجماع في حال دعوة الزوج لهن .

ومناسبة الحديث تؤيد هذه الحكمة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن صيام النفل لما اشتكى زوج امرأة عليها أنه يرغب بجماعها وهي تكثر الصوم فيتعطل حقه .

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ زَوْجِي صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ ، وَيُفَطِّرُنِي إِذَا صُمْتُ ، وَلا يُصَلِّي صَلاةَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ . قَالَ : وَصَفْوَانُ عِنْدَهُ . قَالَ : فَسَأَلَهُ عَمَّا قَالَتْ . فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمَّا قَوْلُهَا : يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ ، فَإِنَّهَا تَقْرَأُ بِسُورَتَيْنِ وَقَدْ نَهَيْتُهَا . قَالَ : فَقَالَ : لَوْ كَانَتْ سُورَةً وَاحِدَةً لَكَفَتْ النَّاسَ . وَأَمَّا قَوْلُهَا : يُفَطِّرُنِي ، فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ فَتَصُومُ ، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ ، فَلا أَصْبِرُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ : لا تَصُومُ امْرَأَةٌ إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا . وَأَمَّا قَوْلُهَا : إِنِّي لا أُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ عُرِفَ لَنَا ذَاكَ ، لا نَكَادُ نَسْتَيْقِظُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ . قَالَ : فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَصَلِّ .

رواه أبو داود ( 2459 ) .  والحديث : صححه ابن حبان ( 4 / 354 ) ، والحافظ ابن حجر في " الإصابة " ( 3 / 441 ) ، والألباني في " إرواء الغليل " ( 7 / 65 ) .

قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله :

ومن حقوقه عليها‏ :‏ أن لا تعمل عملا يضيع عليه كمال الاستمتاع حتى لو كان ذلك تطوعاً بعبادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم :‏ ( ‏لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه‏ ) . " حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة " ‏( ص 12 ) .

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعًا وزوجها شاهد إلا بإذنه ؛ لأن له عليه حق العشرة والاستمتاع ، فإذا صامت فإنها تمنعه من حقوقه ، فلا يجوز لها ذلك ، ولا يصح صومها تنفلاً إلا بإذنه‏ .‏ " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 4 / 73 ، 74 ) .

4- القيام بحقوق الزوج ، ورعاية المنزل ، وتربية الأبناء واجبات على الزوجة ، فقد يرى الزوج تعارضاً بين تلك الواجبات وصيامها للنفل ، وهذا مشاهد من قبل النساء – بل وبعض الرجال – أنه إن صامت تكاسلت وفرَّطت في واجبات بيتها ، ولذلك جعل الاستئذان في صيام النفل دون الواجب .

5- أن الزوج – في العادة – يخرج للعمل والتكسب ، بخلاف المرأة التي عملها في بيتها ، فلم يشرع استئذان الزوج لعدم الحاجة إليه ، بخلاف المرأة التي تستأذن

وعلى كل حال : فأوامر الشرع ونواهيه كلها حكمة ، ويجب على المسلم أن يقول سمعنا وأطعنا ، والأصل اشتراك الرجال والنساء في الأحكام إلا ما فرَّق الله بينها لحكمة تتعلق بطبيعة خلقتها أو للابتلاء ليعلم المؤمن الصادق من غيره .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب