هل يشرع الدعاء بعد الصلاة ؟ وحكم تخصيص صيغة من الأذكار لكل صلاة
بعد أن أنتهي من أذكار ما بعد الصلاة كلها (الاستغفار 3 ، والتسبيح ، ودعاء " اللهم أنت السلام ... " ، ودعاء " اللهم أعني على ذكرك ... " ، ودعاء " اللهم لا مانع لما أعطيت ... " ، وأيضا آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين ... ) : هل يجوز لي أن أدعو بأدعية معينة وأنا لا أزال في المسجد ؟ أدعية مثل " اللهم يا مقلب القلوب ... " ، " اللهم إني أسألك الفردوس ... " ، " اللهم اغفر للمؤمنين ... " ، " الصلاة على النبي " ) ؟ وهل يجوز أن أجعل لها عدداً معيناً مثلاً 7 أو 3 مرات ؟ .
سؤال آخر يتعلق بأذكار الصلاة :
بالنسبة لصيغ التسبيح بعد الصلاة الواردة عن رسولنا صلى الله عليه وسلم بأنواعها , هل يجوز لي أن أربط صيغة معينة بصلاة معينة ، مثلاً : أجعل لصلاة الفجر هذه الصيغة (سبحان الله 33 مرة ، الحمد لله 33 مرة ، الله أكبر 33 مرة ، وتمام المائة لا إله إلا الله وحده ... " , وأجعل لصلاة الظهر ( سبحان الله 10 مرات ، الحمد لله 10 مرات ، الله أكبر 10 مرات ) , وأجعل لصلاة العصر ( سبحان الله 33 مرة ، الحمد لله 33 مرة ، الله أكبر 34 مرة , وصلاة المغرب ( سبحان الله 25 مرة ، الحمد لله 25 مرة ، لا إله إلا الله 25 مرة ، الله أكبر 25 مرة ، وصلاة العشاء كصلاة الظهر ( سبحان الله 33 مرة ، الحمد لله 33 مرة ، الله أكبر 33 مرة ، وتمام المائة لا إله إلا الله وحده ... ) ؟. .
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
لا حرج على المصلي إذا انصرف من صلاته أن يذكر الله تعالى ويدعوه بما شاء ، ولكن ..
بعد أن يأتي بالأذكار المشروعة بعد التسليم من الصلاة .
وقد روى الترمذي (3499) عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الدُّعَاءِ أَسمَعُ ؟ قَالَ : (جَوفُ
الّليلِ الآخِرِ ، وَدُبُرُ الصَّلَواتِ المَكتُوبَاتِ) وحسَّنه الألباني في " صحيح
الترمذي " .
وقوله : (وَدُبُرُ الصَّلَواتِ المَكتُوبَاتِ) يحتمل أن المراد به : آخر الصلاة
وقبل التسليم ، ويحتمل أن المراد به بعد التسليم .
قال ابن القيم رحمه الله :
"هاهنا نكتة لطيفة ، وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته وذكر الله وهلله وسبحه وحمده
وكبره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة : استُحب له أن يصلِّي على النبي صلى الله
عليه وسلم بعد ذلك ، ويدعو بما شاء ، ويكون دعاؤه عقيب هذه العبادة الثانية ، لا
لكونه دبر الصلاة ؛ فإن كل مَن ذكر الله وحمده وأثنى عليه وصلَّى على رسول الله صلى
الله عليه وسلم : استُحب له الدعاء عقيب ذلك ، كما في حديث فضالة بن عبيد : (إذا
صلى أحدكم ، فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم
، ثم ليدع بما شاء) قال الترمذي : حديث صحيح" انتهى .
"زاد المعاد" (1/258) .
وقد فهم بعض العلماء أن ابن القيم رحمه الله يمنع من الدعاء بعد الصلاة مطلقاً ،
وكلامه واضح في استحباب ذلك لكن لمن جاء بالأذكار المشروعة بعد الصلاة أولاً .
قال ابن حجر رحمه الله :
وفهم كثير ممن لقيناه من الحنابلة أن مراد ابن القيم نفي الدعاء بعد الصلاة مطلقاً
، وليس كذلك ، فإن حاصل كلامه أنه نفاه بقيد استمرار استقبال القبلة وإيراده بعد
السلام ، أما إذا انفتل بوجهه وقدَّم الأذكار المشروعة : فلا يمتنع عنده الإتيان
بالدعاء حينئذ .
"فتح الباري" (11/134) .
وانظر جوابي السؤالين (104163) و (115781) .
وأما قولك " وهل يجوز أن أجعل لها عدداً معيَّناً مثلاً 7 أو 3 مرات " : فقد أجاب
على مثل ذلك علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ، فقالوا :
"الأصل في الأذكار والعبادات : التوقيف ، وألا يُعبد الله إلا بما شرع ، وكذلك
إطلاقها ، أو توقيتها ، وبيان كيفياتها ، وتحديد عددها ، فيما شرعه الله من الأذكار
، والأدعية ، وسائر العبادات مطلقاً عن التقييد بوقت ، أو عدد ، أو مكان ، أو كيفية
: لا يجوز لنا أن نلتزم فيه بكيفية ، أو وقت ، أو عدد ، بل نعبده به مطلقاً كما ورد
، وما ثبت بالأدلة القولية ، أو العملية تقييده بوقت ، أو عدد ، أو تحديد مكان له ،
أو كيفية : عبدنا الله به ، على ما ثبت من الشرع له" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
"مجلة البحوث الإسلامية" (21/53) ، و " فتاوى إسلامية " (4/178) .
ولينظر جوابا السؤالين (21902) و (21519)
ففيهما تفصيلات نافعة .
ثانياً :
أما سؤالك عن تخصيص صيغة معينة من الصيغ الثابتة للذكر بعد الصلاة وجعل كل صلاة
تختص بصيغة معينة : فلا يجوز ذلك لعدم ورود مثل هذا التخصيص عن النبي صلى الله عليه
وسلم .
واعلم أن العبادات والأذكار التي وردت على وجوه متنوعة قسمان :
الأول : ما يجوز فعل جميع تلك الوجوه الثابتة في وقت واحد ، وذلك مثل أذكار الركوع
والسجود ، والأدعية قبل السلام .
الثاني : ما لا يمكن جمعها جميعاً في وقت واحد ، وذلك مثل الاستفتاحات ، وأنواع
التشهد ، وألفاظ الأذان والإقامة ، والأذكار بعد الصلوات المكتوبة ، فالأكمل في هذا
النوع أن يفعل المسلم هذا تارة وهذا تارة ، أما تخصيص كل صيغة من الأذكار بصلاة
معينة ، فهذا يشبه التشريع ، ومثل هذا لا يمكن أن يؤخذ إلا من الرسول صلى الله عليه
وسلم .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"والعلماءُ رحمهم الله اختلفوا في العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة ، هل الأفضل
الاقتصار على واحدة منها ، أو الأفضل فِعْلُ جميعها في أوقات شتَّى ، أو الأفضل أنْ
يجمعَ بين ما يمكن جَمْعُه ؟ والصَّحيح : القول الثاني الوسط ، وهو أن العبادات
الواردة على وجوهٍ متنوِّعة تُفعل مرَّة على وجهٍ ، ومرَّة على الوجه الآخر ، فهنا
الرَّفْعُ وَرَدَ إلى حَذوِ منكبيه ، ووَرَدَ إلى فُرُوع أُذنيه ، وكُلٌّ سُنَّة ،
والأفضل : أن تَفعلَ هذا مرَّة ، وهذا مرَّة ؛ ليتحقَّقَ فِعْلُ السُّنَّةِ على
الوجهين ، ولبقاء السُّنَّةِ حيَّة ؛ لأنك لو أخذت بوجهٍ وتركت الآخر : مات الوجهُ
الآخر ، فلا يُمكن أن تبقى السُّنَّةُ حيَّة إلا إذا كُنَّا نعمل بهذا مرَّة ،
وبهذا مرَّة ، ولأن الإِنسان إذا عَمِلَ بهذا مرَّة وبهذا مرَّة : صار قلبُه حاضراً
عند أداء السُّنَّة ، بخلاف ما إذا اعتاد الشيء دائماً فإنه يكون فاعلاً له كفعل
الآلة - عادة - ، وهذا شيء مشاهد ، ولهذا مَن لزم الاستفتاح بقوله : " سبحانك
اللهمَّ وبحمدك " دائماً : تجده مِن أول ما يُكبِّر يشرع بـ " سبحانك اللهم وبحمدك
" مِن غير شعور ؛ لأنه اعتاد ذلك ، لكن لو كان يقول هذا مرَّة والثاني مرَّة : صار
منتبهاً .
ففي فِعْلِ العباداتِ الواردة على وجوهٍ متنوِّعة فوائد :
1. اتِّباعُ السُّنَّة .
2. إحياءُ السُّنَّة .
3. حضورُ القلب .
وربما يكون هناك فائدة رابعة :
إذا كانت إحدى الصِّفات أقصرَ مِن الأخرى ، كما في الذِّكرِ بعد الصَّلاةِ : فإن
الإِنسان أحياناً يحبُّ أن يُسرع في الانصراف ، فيقتصر على "سبحان الله" عشر مرات ،
و "الحمد لله" عشر مرات ، و "الله أكبر" عشر مرات ، فيكون هنا فاعلاً للسُّنَّة
قاضياً لحاجته ، ولا حَرَجَ على الإِنسان أن يفعل ذلك مع قصد الحاجة ، كما قال
تعالى في الحُجَّاج : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ
رَبِّكُمْ) البقرة/198" انتهى .
"الشرح الممتع على زاد المستقنع" (3/29 - 31) .
والله أعلم