الحمد لله.
ثانياً:
من أفضل ما يشرع فيه المسلم حفظ القرآن الكريم ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( يُقَالُ لِصَاحِبِ
الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِى الدُّنْيَا
فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا ) رواه الترمذي ( 2914 ) وقال :
حسن صحيح ، وأبو داود ( 1464 ) ، وحسنه الشيخ الألباني في " مشكاة المصابيح "
(2134) .
ومعنى القراءة هنا : الحفظ .
وأحاديث كثيرة وفضائل جمة .
قال ابن عبد البر – رحمه الله - : " طلب العلم درجات ومناقب ورتب لا ينبغي تعديها ،
ومن تعداها جملة ، فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله ، ومن تعدى سبيلهم عامداً ضل ،
ومن تعداه مجتهداً زل .
فأول العلم : حفظ كتاب الله جل وعز وتفهمه ، وكل ما يعين على فهمه فواجب طلبه معه ،
ولا أقول إن حفظه كله فرض ، ولكن أقول إن ذلك واجب لازم على من أحب أن يكون عالماً
" انتهى من " جامع بيان فضل العلم وأهله " ( 2 / 166 ) .
ثالثاً:
أما أثر ابن عمر : فقد ذكره الإمام مالك في " الموطأ " ( 479 ) أَنَّهُ بَلَغَهُ "
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَكَثَ عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِيَ
سِنِينَ يَتَعَلَّمُهَا " ، والبلاغ يعني : أنه مقطوع الإسناد في أوله ، وعليه :
فيكون الأثر ضعيفاً .
وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح متصل أنه مكث أربع سنين في تعلُّم
سورة البقرة ، وهو ما رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " ( 4 / 164 ) قال : أخبرنا
عبد الله بن جعفر حدثنا أبو المليح عن ميمون " أن ابن عمر تعلَّم سورة البقرة في
أربع سنين " .
وهل التعلم في الأثرين هو
الحفظ أم الفقه والفهم ؟ الأمر محتمل ، وقد كان هدي الصحابة ، وهممهم منصرفة إلى
التفقه والفهم .
قال أبو عبد الرحمن السلمي : " حدثنا الذين يُقرؤوننا القرآن أنهم كانوا لا
يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ويعرفوا ما فيها من علم وعمل " .
قال الزرقاني – رحمه الله - : " ليس ذلك لبطء حفظه - معاذ الله - بل لأنه كان يتعلم
فرائضها وأحكامها وما يتعلق بها ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كراهة
الإسراع في حفظ القرآن دون التفقه فيه ، ولعل ابن عمر خلط مع ذلك من العلم أبواباً
غيرها ، وإنما ذلك مخافة أن يتأوله على غير تأويله ، قاله الباجي " انتهى من " شرح
الزرقاني لموطأ مالك " ( 2 / 27 ) .
رابعاً:
أما الأسلوب الأمثل لحفظ القرآن : فالطرق كثيرة لكن يجب عليك معرفة مقدرتك على
الحفظ وفراغ وقتك ثم تبدأ العمل .
وننصحك بأمور :
1. عدم الإكثار في قدْر الحفظ حتى لا تمل ، بل تكون نشيطاً للغد .
2. الارتباط بحلقة تحفيظ أو مع شيخ ؛ فهذا أدعى للاستمرار .
3. فهم الآيات قبل الحفظ ؛ فهذا أنشط لك وأشد رسوخاً للمحفوظ وذلك بقراءة تفسير
ميسر .
4. الاهتمام بمراجعة المحفوظ أكثر من الاستزادة من الحفظ ، فعَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :( تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي
نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِى عُقُلِهَا
) رواه مسلم ( 791 ) .
5. وجود نسخة معينة من المصحف تحافظ على القراءة منها ؛ حتى تنطبع صورة الصفحة في
ذهنك .
6. تصحيح التلاوة مع الحفظ على مُقرئ .
7. كثرة السماع لتلاوات المقرئين الكبار .
8. العمل بما تحفظ ، وهذا هو غاية الفضل .
9. قيام الليل بما حفظت ، أو أن تسمِّع لنفسك القدر المحفوظ في صلاة النهار .
10. كثرة الدعاء وسؤال الله التوفيق .
وانظر جواب السؤال رقم (
7966 ) .
خامساً:
هل تحفظ القرآن ثم تنتقل للكتب الأخرى أو تجمع بينهما ؟ الأفضل والأولى : أن تجعل
جهدك في حفظ القرآن ، فإذا انتهيت منه انتقلت إلى غيره من كتب العلم ، لكن إن و جدت
من نفسك تراخياً وفتوراً ، فجدِّد همَّتك ببعض الكتب والمتون من غير إكثار .
وقد كان الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله - إذا جاءه الطالب يريد طلب
العلم يسأله هل حفظتَ القرآن ؟ فإن قال لا : ردَّه ليحفظ ، وقد سبق ذكر كلام الإمام
ابن عبد البر في هذا الشأن .
سادساً:
أما سؤالك الأخير : فإن حفظ القرآن أيسر من حفظ الحديث النبوي ؛ لأنه ميسَّر من
الله تعالى ، قال تعالى :( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ
مُدَّكِرٍ ) القمر/ 17 ، لكن قد تحين فرص أو دورات لحفظ السنَّة النبوية تشجعك على
حفظ الحديث أكثر من حفظ القرآن ، فلا بأس بالارتباط بها ثم العودة إلى حفظ القرآن .
وقد يعاب على طالب العلم أن يكون حافظاً لصحيح البخاري غير حافظ لكتاب الله ، فكلام
الله أولى بالحفظ والفهم من حيث الأصل .
نسأل الله أن يوفقك لما فيه
رضاه وأن يبارك لك في وقتك وييسر لك حفظ القرآن وعلم السنَّة والعمل بهما .
والله أعلم