الحمد لله.
ثانياً :
من الأمور المهمة التي ينبغي التنبه لها أن ضابط الاستغاثة التي تكون شركاً هو : " سؤال غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله ".
أما الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه فليست من الشرك في شيء .
والأثر المذكور فيه إخبار عن وجود صنف من الملائكة ، وهم أحياء ، حياتهم الطبيعية الملائمة لهم ؛ جعلهم الله في الأرض لإعانة التائهين وإرشادهم ودلالتهم على الطريق ، فمن طلب منهم الإعانة فقد طلب من مخلوقٍ شيئاً يقدر عليه ، وأرصده الله له .
وشتان بين هذا وبين أن يطلب من مخلوق ميت ، أو غائب أن يشفي مريضه ، وأن يرزقه مولودا ، وأن ييسر ولادة زوجته ، أو أن يرحمه ويعافيه ، ونحو ذلك من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وَالِاسْتِغَاثَةُ : طَلَبُ الْغَوْثِ ، وَهُوَ إزَالَةُ الشِّدَّةِ ، كَالِاسْتِنْصَارِ طَلَبُ النَّصْرِ ، وَالِاسْتِعَانَةِ طَلَبُ الْعَوْنِ ، وَالْمَخْلُوقُ يُطْلَبُ مِنْهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) ، وَكَمَا قَالَ: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى).
وَأَمَّا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ ؛ فَلَا يُطْلَبُ إلَّا مِنْ اللَّهِ ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/103).
وقال : " فَأَمَّا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَبَ إلَّا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، لَا يُطْلَبُ ذَلِكَ لَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِغَيْرِ اللَّهِ: اغْفِرْ لِي ، وَاسْقِنَا الْغَيْثَ ، وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، أَوْ اهْدِ قُلُوبَنَا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ... فَأَمَّا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْبَشَرُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/329).
وقال: " وَقَدْ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْحَيَّ يُطْلَبُ مِنْهُ الدُّعَاءُ كَمَا يُطْلَبُ مِنْهُ سَائِرُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الْمَخْلُوقُ الْغَائِبُ وَالْمَيِّتُ ، فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ شَيْءٌ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/344) .
وقال : " الْأُمُورَ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُ اللَّهِ لَا تُطْلَبُ مِنْ غَيْرِهِ مِثْلُ: إنْزَالِ الْمَطَرِ ، وَإِنْبَاتِ النَّبَاتِ ، وَتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ ، وَالْهُدَى مِنْ الضَّلَالَاتِ ، وَغُفْرَانِ الذُّنُوبِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ". انتهى من " مجموع الفتاوى" (1/370).
وقد أكثرنا من النقول عن شيخ الإسلام في هذه النقطة لكثرة اللبس فيها والتلبيس عند أهل الأهواء والبدع .
وقال الشيخ صالح آل الشيخ : " والحديث لا يدل على ما يدعيه المبطلة من سؤال الموتى ونحوهم ، بل إنه صريح في أن من يخاطبه ضالُّ الطريق هم : الملائكة ، وهم يسمعون مخاطبته لهم ، ويقدرون على الإجابة بإذن ربهم ؛ لأنهم أحياء ممكَّنون من دلالة الضال ، فهم عباد لله ، أحياء يسمعون ، ويجيبون بما أقدرهم عليه ربهم ، وهو إرشاد ضالي الطريق في الفلاة ، ومن استدل بهذه الآثار على نداءِ شخص معين باسمه ، فقد كذب على رسول الله ، ولم يلاحظ ويتدبر كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وذاك سيما أهل الأهواء .
إذا تبين هذا : فالأثر من الأذكار التي قد يتساهل في العمل بها مع ضعفها ؛ لأنها جارية على الأصول الشرعية ، ولم تخالف النصوص القرآنية ، والأحاديث النبوية، ثم هو مخصوص بما ورد به الدليل؛ لأن هذا مما لا يجوز فيه القياس لأن العقائد مبناها على التوقيف". هذه مفاهيمنا (ص: 56) ، بتصرف يسير .
والحاصل :
أن ما لا يقدر عليه إلا الله ، وما هو من خصائص ربوبيته ، كالإحياء والإماتة ، والرزق ... كل هذا لا يسأل من غيره سبحانه ، ومن استغاث بغير الله في شيء من ذلك ، فقد أشرك .
وأما ما يقدر عليه الخلق ، فلا حرج في سؤاله من يقدر على ذلك الشيء منهم ، والاستغاثة بهم فيه ؛ بشرطين : أن يكون المستغاث به : حيا ، حاضرا ، قادرا على ذلك الشيء .
وللاستزادة ينظر جواب السؤال :(132642) .
والله أعلم .