هل يغير اسم عائلته إلى " المسيحي " بعد أن أسلم ؟
بسبب ما حصلت عليه من الأسئلة القديمة ، وكذلك الأسئلة الحديثة التي كان لها أثر علي . الأسئلة التي تسببت في اعتناقي للإسلام ، فعلى الرغم من اعتناقي للإسلام ، يجب علي تعلم الكثير . يطرأ علي هذا السؤال أحياناً ، وأتمنى الآن أن أجد بعض العون هنا .
انفصل أبواي وأنا صغير السن جداً ، ولا يمكنني الحصول على أجوبة لهذه الأسئلة ، كبرت بين عائلة والدتي ، واستخدمت اسم عائلة أمي كلقب لي ، وبعد اعتناقي للإسلام اكتشفت أنني يجب أن أسمى بلقب عائلة والدي ، ولقب عائلة والدي " المسيحي " ، والآن المشكلة التي ظهرت أنه كان قد اعتنق النصرانية بسنوات قبل ميلادي ، ولا أعلم هل " المسيحي " هو لقبه الحقيقي أم أنه غيره حين اعتنق النصرانية ، ولا أعلم مكاناً لأبي ، وليس لدي أي وسيلة اتصال بأي فرد من عائلة والدي .
فماذا أفعل .
الجواب
الحمد لله.
الشكر له سبحانه وتعالى أن هداك للإسلام ، ورزقك عقلا فطنا يبحث ويفتش ويتساءل عن
الحق والهدى ، ويبحث عن الطمأنينة واليقين ، كما نشكره سبحانه أن جعلنا سببا لجواب
تساؤلاتك ، ومساعدتك بالعقل والإقناع .
وجوابا على سؤالك الجديد نبين لك أنه لا يجب عليك تغيير اسم عائلتك إلى " المسيحي "
لسبب واضح ويسير ، وهو أنك غير متثبت من صحته ومصداقيته ، بل غالب الظن أنه اسم
مبدَّل عن الاسم الحقيقي ؛ لأن العشائر المسلمة لا تتسمى أبدا باسم " المسيحي "،
ورِدَّةُ والدك القديمة عن الإسلام إلى النصرانية لا تجيز له تبديل اسم العائلة ،
فذلك من التلاعب المذموم بالأنساب ، يلجأ إليه المتنكرون لأصولهم ، طمعا في عرض من
الدنيا قليل ، أو يغري به أهل الأديان والملل والنحل التي انتقل إليها المنتقل ، كي
يساعدوا في تكثير سوادهم ، وسلخ المرتد إليهم عن قومه ومعشره كما سلخوه عن دينه
ومعتقده ، ليضيع ماضيه فلا يملك إلى الرجوع سبيلا ، ولا يملك أبناؤه من بعده أدنى
خيط يصلهم بأصلهم ، وهذه حيلة نعرفها ونعرف الكثيرين ممن قاموا بها ، وللأسف قد
نجحت في كثير من الأحيان .
ولهذا فلا يشملك النهي عن الانتساب لغير الأب ، الوارد في حديث أبي ذر رضي الله عنه
مرفوعا : ( وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ
مِنَ النَّارِ ) رواه البخاري (3508)، فهذه الدعوى المحرمة مقيدة بالعلم والقصد ،
أي أن تكون عالما بنسبك الحقيقي ، وقصدت تزييفه وتزويره ، أما في حال عدم العلم به
فيكفي أن تنتسب إلى اسم أبيك وجدك من غير ذكر اسم العائلة ، فإن لم تتمكن من تغيير
الأوراق في الدوائر الرسمية فلا أقل من الحرص على عدم الانتساب اللفظي إلى عائلة
والدتك من جهتك أنت ، ولا حرج عليك حينها أن تبقى أوراقك الثبوتية إن لم تتمكن من
تغييرها حتى يستبين لك الشأن .
قال الإمام الطبري رحمه الله :
" فإن قال قائل : ما وجه هذا الحديث ، وقد كان من خيار الناس من ينسب إلى غير أبيه
، كالمقداد بن الأسود الذى نسب إليه ، وإنما هو المقداد بن عمرو ، ومنهم من يدعى
إلى غير مولاه الذى أعتقه ، كسالم مولى أبى حذيفة ، وإنما هو مولى امرأة من الأنصار
، وهؤلاء خيار الأمة ؟
قيل : لا يدخل أحد منهم في معنى هذه الأحاديث ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا
يستنكرون ذلك ، أن يتبنى الرجل منهم غير ابنه الذي خرج من صلبه فنسب إليه ، ولا أن
يتولى من أعتقه غيره فينسب ولاؤه إليه ، ولم يزل ذلك أيضًا في أول الإسلام حتى أنزل
الله : ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم )الأحزاب/ 4، ونزلت ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط
عند الله )الأحزاب/ 5 الآية ، فنسب كل واحد منهم إلى أبيه ، ومن لم يعرف له أب ولا
نسب عرف مولاه الذى أعتقه ، وألحق بولائه عنه ، غير أنه غلب على بعضهم النسب الذى
كان يدعى به قبل الإسلام ، فكان المعروف لأحدهم إذا أراد تعريفه بأشهر نسبه عرفه به
من غير انتحال المعروف به ، ولا تحول به عن نسبه وأبيه الذي هو أبوه على الحقيقة
رغبة عنه ، فلم تلحقهم بذلك نقيصة ، وإنما لعن النبي (صلى الله عليه وسلم) المتبرئ
من أبيه والمدعى غير نسبه ، فمن فعل ذلك فقد ركب من الإثم عظيمًا وتحمل من الوزر
جسيمًا ، وكذلك المنتمى إلى غير مواليه " .
انتهى من " شرح صحيح البخاري لابن بطال " (8/347-348) . وينظر: " إرشاد الساري لشرح
صحيح البخاري " (9/445) .
ويقول الإمام النووي رحمه الله :
" ومعنى ادعى لغير أبيه أي انتسب إليه ، واتخذه أبا . وقوله صلى الله عليه وسلم: (
وهو يعلم ) : تقييد لابد منه ؛ فإن الإثم إنما يكون في حق العالم بالشيء " .
انتهى من " شرح صحيح مسلم " (2/50) .
وعلى كل حال : نحب أن ننبهك إلى أن الصواب في حالتك أنك قد رجعت إلى الإسلام ،
فالشريعة الإسلامية لا تعترف بانتقال المسلم عن دينه كما فعل والدك ، لذلك أبناؤه
يبقون في دائرة الإسلام وحكمه ، فإذا بلغوا واختاروا غير الإسلام كانوا في حكم
المرتدين أيضا ، فإذا رجعوا إلى إسلامهم فقد تابوا وأنابوا إلى دينهم الأول ، وما
سواه من الأديان حكمه لاغ عنهم ، ولا عبرة بردة والدهم إليه ، كما جاء في " التاج
والإكليل " من كتب المالكية (8/374): " ولد المرتد : فلا يلحق به في الردة إذا كان
صغيرا ؛ إذ تبعية الولد لأبيه إنما تكون في دين يقر عليه " انتهى .
وللمزيد يمكن مراجعة الفتوى رقم : (180561)
.
والله أعلم .