الحمد لله.
ثمّ إنه بعد أن تولّى الخلافة رضي الله عنه اهتم بشأن تحذير الناس من الخمر
وبيان حكمها.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : " سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى
مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : أَمَّا بَعْدُ ،
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ
: العِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالعَسَلِ وَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالخَمْرُ مَا
خَامَرَ العَقْلَ ) رواه البخاري (4619) ، ومسلم (3032).
كما اهتم بتحديد العقوبة على شرب الخمر ، لمّا لم يجد نصا صريحا عليها ، واستشار
كبار الصحابة في ذلك .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ
أَرْبَعِينَ ، قَالَ : وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ
النَّاسَ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَخَفَّ الْحُدُودِ ؛ ثَمَانِينَ .
فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ " رواه مسلم (1706) .
فهل يعقل في طباع البشر أنّ شخصا يهتم بتطهير المجتمع المسلم من الخمر إلى هذه
الدرجة ، ويستمر على هذا المنهاج إلى أن يتوفى ، ثمّ يتساهل في شرب الخمر ؟!
وهذه الفرية من الرافضة ليست غريبة عليهم ، وقد وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله بأنهم " أكذب طوائف الأمة على الإطلاق " انتهى من " مجموع الفتاوى " (27/125)
.
ولا يوجد في كتب السنة والآثار أن عمر رضي الله عنه شرب الخمر ، بل غاية ما ورد
فيها أنه رضي الله عنه شرب النبيذ ، وذلك ثابت في قصة موته رضي الله عنه ، حيث سقاه
الطبيب نبيذا .
والنبيذ يطلق على الخمر ، ويطلق أيضا على الماء الذي يوضع فيه شيء من التمر أو
الزبيب حتى يحلو الماء ثم يشرب قبل أن يتخمر ، فهذا الثاني هو الذي شربه عمر رضي
الله عنه ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشربه ، وأجمع العلماء على جوازه .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : " قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ ، فَاسْتَسْقَى ، فَأَتَيْنَاهُ
بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ : فَشَرِبَ ، وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ ، وَقَالَ : (
أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ ، كَذَا فَاصْنَعُوا ) " رواه مسلم (1316) .
قال النووي رحمه الله تعالى :
" وهذا النبيذ : ماء مُحلى بزبيب أو غيره ، بحيث يطيب طعمه ، ولا يكون مسكرا ، فأما
إذا طال زمنه وصار مسكرا : فهو حرام " انتهى من " شرح صحيح مسلم " ( 9 / 64) .
وقال رحمه الله تعالى :
" وجواز شرب النبيذ : ما دام حلوا لم يتغير ولم يغل ؛ وهذا جائز بإجماع الأمة " .
انتهى من" شرح صحيح مسلم " (13 / 174) .
فالعجب ممن يعرض عن عشرات الأحاديث التي فيها فضل عمر رضي الله عنه وقوة دينه وأنه
أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعلى هذا أجمع الصحابة رضي
الله عنهم ، وشهد به علي رضي الله عنه وأعلنه على منبر الكوفة ، ثم يريد القدح فيه
بمثل هذا اللفظ المحتمل (النبيذ) ويدع المحكم الواضح الجلي الذي يثبت فضله ، وهذه
طريقة الذين في قلوبهم زيغ ، كما قال الله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) آل عمران/7 .
والله أعلم .