عندي سؤال عما يسمي بالحرس، وهو في مصر عبارة عن عدة خيوط من الخيط المستخدم في الصيد، ومعقود وبه قطع من المعدن، يلف حول خصر المقبلين علي الزواج حتي يتم الزواج، والغرض منه منع الربط أو أي سبب آخر، فما حكم الشرع فيمن يستخدمه سواء كان معتقد أنه يمنع ضر أوينفع من يضعه، ومن يضعه فقط كعادة، ولا يعتقد فيه ؟
الحمد لله.
أولًا :
هذا الذي وصفته والمسمى بـ "الحرس" هو من جنس التمائم، وقد جاء الإسلام بإبطالها؛ لأنها منافية لعقيدة التوحيد المبنية على أن النفع والضر بيد الله وحده، فعليه يتوكل المؤمن وبه يستعيذ، فمن تعلق بهذه التمائم واعتقد نفعها فقد تلبس بشعبة من شعب الشرك، وربما في الشرك الأكبر إن اعتقد أنها مستقلة بالنفع والتأثير.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ، فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا؟
قَالَ: إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً .
فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا، فَبَايَعَهُ، وَقَالَ: مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ .
رواه الإمام أحمد في "المسند" (28 / 636 – 637)، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1 / 889)، وقوى إسناده محققو المسند.
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
" التمائم جمع تميمة، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام...
وإنما جعلها شركا؛ لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم، فطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه " انتهى من"النهاية في غريب الحديث" (1 / 197 – 198).
كما أن هذا التصرف فيه إفساد للعقل وإضعافه.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
" والشرع مبناه على تكميل أديان الخلق، بنبذ الوثنيات والتعلق بالمخلوقين ، وعلى تكميل عقولهم بنبذ الخرافات والخزعبلات ، والجد في الأمور النافعة المرقية للعقول ، المزكية للنفوس، المُصلحة للأحوال كلها، دينيها ودنيويها . والله أعلم " انتهى من" القول السديد / المجموعة الكاملة لمؤلفات السعدي " (10 / 19).
ثانيا:
أما من يلبسها بنية العادة، لا بنية الاعتقاد فيها، فهو غير جائز أيضا . لأن هذه عادة باطلة، مناقضة لما جاء به الشرع؛ فالواجب هدمها، وإبطالها، لا إقرارها، ولو من حيث الظاهر. مع ما فيها من التلبيس على من يراها ويفعلها، فلا أحد يدري، أو يسأل كل من يلبسها: إن كان يعتقد فيها، أو لا يعتقد .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل ذلك مطلقا، ويأمر من لبس شيئا منها أن ينزعها، من غير أن يستفصل عن حاله، وهل يعتقد فيها أولا يعتقد.
فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا فِي يَدِهِ حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْحَلْقَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ مِنْ الْوَاهِنَةِ، قَالَ: انْزِعْهَا، فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا.
رواه ابن ماجة (3531)، وغيره ، وله شواهد . انظر: "حاشية المسند" (31/77-79).
ثم إن في لبسها تشبها بأهل الباطل، وقد نهينا عن التشبه بأهل الكفر والمعاصي.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ رواه أبو داود (4031)، وصححه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (5 / 109).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وهذا إسناد جيد... وهذا الحديث أقل أحواله: أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )...
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرا، أو معصية، أو شعارا لها كان حكمه كذلك.
وبكل حال: يقتضي تحريم التشبه؛ بعلة كونه تشبها... " انتهى من"اقتضاء الصراط المستقيم" (1 / 240 – 242).
والله أعلم.