مرحبا إخواني الكرام أود سؤالكم أنا مسلمة بالسر من أهل مسيحيين هل يعتبر كفر أن قلت لهم اني مسيحية
الحمد لله.
أولا:
هنيئا لك، أختَ الإسلام، ما أكرمك الله به، ومنَّ عليك، وشرح صدرك له من الهدى ودين الحق؛ فهذه أعظم نعمة عليك منذ ولدتك أمك، فلتحمدي الله حمدا كثيرا، وسلي ربك الثبات على الهدى ودين الحق، ما بقيت في دنيا الناس هذه، وأن يختم لك بالحسنى؛ فيجمع لك خير الدنيا والآخرة.
وانظري للفائدة: جواب السؤال رقم (248211)
ونبشرك أيضا ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم لمن آمن بدين الإسلام، واتبع نبيه، وقد كان مؤمنا بكتاب سابق، يهوديا، أو نصرانيا.
فعن أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ، وذكر منهم: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ.
رواه البخاري (3011) ومسلم (154) واللفظ له.
وانظري للفائدة: جواب السؤال رقم: (246484)، ورقم: (436035).
ثانيا:
لا شك أن من أعظم الفتن التي تواجه المسلم الجديد: هي مواجتهه لعائلته، ومحيطه الاجتماعي، ممن هم على دين آخر سوى الإسلام؛ وتزداد هذه المواجهة صعوبة وشراسة في البلاد العربية، والشرقية بصفة عامة؛ بحيث تصل إلى حد فتنته عن دينه، ومحاولة رده عنه بكل ما أمكنهم.
غير أن هذه التخوفات من فتن الأهل، وضغط الواقع الاجتماعي: ينبغي أن تفهم في إطارها الذي يدفعك إلى أن تقدري الخطوة التي تقدمين عليها قدرها ، يدفعك إلى أن تمضي بقلب ثابت ، وعزم صادق على المسير، آخرَ الطريق.
إنها تخوفات المسافر من أخطار السفر، وأعبائه، ووعثائه ... ولا بد له من المسير ، فيأخذ للأمر أهبته، ويهيئ الزاد ، ويختار الرفيق ... ويمضي .. وما زال الناس يسافرون ..
إنها تخوفات المريض ، الذي أشرف على الهلاك ، وفي الجراحات ما فيها من الآلام والتخوفات ، ولا بد له من الصبر على مشرط الطبيب ، أو فليختر لنفسه الهلاك ...
إن حاجتك إلى الهجرة إلى رب العالمين، فوق حاجة هؤلاء جميعا ، فوق حاجة من أشرف على الغرق والهلاك، فرُفع له طوق النجاة ، وفوق حاجة الظِّماء إلى الماء البارد في الهجير، وفوق كل حاجة يتخيلها البشر، أو تصل إليها أوهامهم .
وننصحك أن تراجعي ذلك الجواب السابق: (324751).
ثالثا:
إذا تفهمنا ضغط الواقع الاجتماعي المحيط، فسوف نتفهم أيضا أن هذا الواقع سوف يدفعك في أحيان كثيرة إلى أن تستخفي بإسلامك، بل وأن تتظاهري أمامهم أنك ما زلت على دينهم: فلا حرج عليك في أن تقولي أمامهم: إنك "مسيحية"؛ فأنت – في مثل حالك – مكرهة على مثل ذلك. وقد قال الله تعالى في تخفيفه عن عباده: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ النحل/106
قال ابن كثير، رحمه الله: " وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِمَّنْ كَفَرَ بِلِسَانِهِ وَوَافَقَ الْمُشْرِكِينَ بِلَفْظِهِ مُكْرَهًا لِمَا نَالَهُ مِنْ ضَرْبٍ وَأَذًى، وَقَلْبُهُ يَأْبَى مَا يَقُولُ، وَهُوَ مُطَمْئِنٌ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَقَدْ رَوَى العَوفِيّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عمَّار بْنِ يَاسِرٍ، حِينَ عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى يَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مُكرَها، وَجَاءَ مُعْتَذِرًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَهَكَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو مَالِكٍ وَقَتَادَةُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَور، عَنْ مَعْمَر، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الجَزَريّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَعَذَّبُوهُ حَتَّى قَارَبَهُمْ فِي بَعْضِ مَا أَرَادُوا، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ " قَالَ: مُطَمْئِنًا بِالْإِيمَانِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ عَادُوا فَعُدْ" .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَبْسَطَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّهُ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، وَأَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُركتُ حَتَّى سَببتك وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ! قَالَ: "كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ " قَالَ: مُطَمْئِنًا بِالْإِيمَانِ. فَقَالَ: "إِنْ عَادُوا فَعُدْ". وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ" انتهى، من "تفسير ابن كثير" (4/605).
والأحسن لك أن تنوي أن مرادك، كلما قلت : إنك "مسيحية": أنك من أتباع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام؛ وقد كان المسيح عيسى عليه السلام حنيفا مسلما، ولم يأت بدين الصليب، ولم يرض من الناس أن يعبدوه من دين الله.
قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ المائدة/116-117
وقد جاء المسيح عليه السلام مبشرا بني الإسلام ودينه، وأخذ الميثاق على قومه أن يتبعوا نبي الله صلى الله عليه وسلم.
لكن المشركين بالله من اليهود والنصارى هم الذين كتموا بشاراته، وخالفوا عهده وميثاقه.
قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ الصف/6-9
وبكل حال؛ فلا حرج عليك في أن تقولي هذه الكلمة أمام أهلك، أو أمام من تخافين منه الفتنة في دينك، ممن هم حولك، وفي محيطك الاجتماعي، والنصيحة لك أن تخفي إسلامك عنهم، إلى أن يجعل الله لك فرجا ومخرجا.
وانظري جواب السؤال رقم: (434525 )، ورقم: (395134).
والله أعلم.