سمعت حديثاً أن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ، فهل هذا الحديث صحيح ؟.
الحمد لله.
أولاً :
هذا الحديث الذي أشار إليه السائل رواه البيهقي (4/315) عن حذيفة أنه قال لعبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما : مررت على أناس عكوف بين دارك ، ودار أبي موسى ، ( يعني في المسجد ) وقد علمت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة : المسجد الحرام ) . فقال عبد اللّه بن مسعود : لعلك نسيت وحفظوا ، وأخطأت وأصابوا .
صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2876) .
ثانياً :
وأما حكم المسألة فذهب جماهير العلماء إلى أن الاعتكاف لا يشترط له أن يكون في أحد المساجد الثلاثة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187.
ولفظ المساجد في الآية عام فيشمل كل المساجد ، إلا ما دل الدليل على عدم صحة الاعتكاف فيه كالمسجد الذي لا تقام فيه صلاة الجماعة إذا كان المعتكف ممن تجب عليه صلاة الجماعة . انظر السؤال رقم : ( 48985 )
وقد أشار الإمام البخاري رحمه الله إلى الاستدلال بعموم الآية ، فقال :
"بَاب الاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ وَالاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )" اهـ.
ولم يزل عمل المسلمين على الاعتكاف في مساجد بلدانهم . كما ذكره الطحاوي رحمه الله في "مشكل الآثار" (4/205) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : عن حكم الاعتكاف في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، وجزاكم الله خيراً؟
فأجاب :
"الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة وهي المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى مشروع في وقته ، ولا يختص بالمساجد الثلاثة ، بل يكون فيها وفي غيرها من المساجد ، هذا قول أئمة المسلمين أصحاب المذاهب المتبوعة كالإمام أحمد ، ومالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة وغيرهم رحمهم الله لقوله تعالى : ( وَلاَ تباشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون َ) ولفظ المساجد عام لجميع المساجد في أقطار الأرض ، وقد جاءت هذه الجملة في آخر آيات الصيام الشامل حكمها لجميع الأمة في جميع الأقطار ، فهي خطاب لكل من خوطبوا بالصوم ، ولهذا ختمت هذه الأحكام المتحدة في السياق والخطاب بقوله تعالى : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) . ومن البعيد جداً أن يخاطب الله الأمة بخطاب لا يشمل إلا أقل القليل منهم ، أما حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) فهذا إن سلم من القوادح فهو نفي للكمال ، يعني أن الاعتكاف الأكمل ما كان في هذه المساجد الثلاثة ، وذلك لشرفها وفضلها على غيرها . ومثل هذا التركيب كثير، ـ أعني أن النفي قد يراد به نفي الكمال ، لا نفي الحقيقة والصحة ـ مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا صلاة بحضرة طعام ) وغيره . ولا شك أن الأصل في النفي أنه نفي للحقيقة الشرعية أو الحسية ، لكن إذا وجد دليل يمنع ذلك تعين الأخذ به ، كما في حديث حذيفة. هذا على تقدير سلامته من القوادح ، والله أعلم" اهـ .
"فتاوى الصيام" (ص 493) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما صحة الحديث ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) وإن صح الحديث هل يعني فعلاً لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ؟
فأجاب :
يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة إلا أنه يشترط في المسجد الذي يعتكف فيه إقامة الجماعة فيه ، فإن كانت لا تقام فيه صلاة الجماعة لم يصح الاعتكاف فيه ، إلا إذا نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة فإنه يلزمه الاعتكاف بها وفاء لنذره" اهـ .
"مجموع فتاوى ابن باز" (15/444) .