الحمد لله.
إذا قدم المسافر مفطراً ، أو طهرت المرأة من الحيض ، أو برئ المريض أثناء النهار ، فقد اختلف العلماء هل يلزمهم الإمساك أم لا ؟
فذهب جمهور العلماء إلى أنهم لا يلزمهم الإمساك لأنهم أفطروا بعذر .
ولكنهم لا يفطرون جهراً أمام من لا يعرف عذرهم حتى لا يكون ذلك سبباً لإساءة الظن بهم .
انظر : "المجموع" (6/167، 168، 173) .
قال ابن قدامة في "المغني" :
"فَأَمَّا مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا , كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُسَافِرِ , وَالصَّبِيِّ , وَالْمَجْنُونِ , وَالْكَافِرِ , وَالْمَرِيضِ , إذَا زَالَتْ أَعْذَارُهُمْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ , فَطَهُرَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ , وَأَقَامَ الْمُسَافِرُ , وَبَلَغَ الصَّبِيُّ , وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ , وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ , وَصَحَّ الْمَرِيضُ الْمُفْطِرُ , فَفِيهِمْ رِوَايَتَانِ ; إحْدَاهُمَا , يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ . . . وَالثَّانِيَةُ , لا يَلْزَمُهُمْ الإِمْسَاكُ . وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ . وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ" اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : سمعت أنكم أفتيتم للحائض إذا طهرت في نهار رمضان أنها تأكل وتشرب ولا تمسك بقية يومها ، وكذلك المسافر إذا قدم للبلد في النهار فهل هذا صحيح ؟ وما وجه ذلك؟
فأجاب :
"نعم ، ما سمعته من أني ذكرت أن الحائض إذا طهرت في أثناء اليوم لا يجب عليها الإمساك ، وكذلك المسافر إذا قدم ، فهذا صحيح عني ، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله وهو مذهب مالك والشافعي رحمهما الله .
وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : (من أكل أول النهار فليأكل آخره) ، وروي عن جابر بن يزيد وهو أبو الشعثاء أحد أئمة التابعين الفقيه أنه قدم من سفر فوجد امرأته طاهراً من الحيض في ذلك اليوم فجامعها، ذكر هذين الأثرين في المغني ، ولم يتعقبهما .
ولأنه لا فائدة من الإمساك، لأنه لا يصح صيام ذلك اليوم إلا من الفجر .
ولأن هؤلاء يباح لهم الفطر أول النهار ظاهراً وباطناً مع علمهم بأنه رمضان ، والله إنما أوجب الإمساك من أول النهار من الفجر، وهؤلاء في ذلك الوقت ليسوا من أهل الوجوب ، فلم يكونوا مطالبين بالإمساك المأمور به.
ولأن الله إنما أوجب على المسافر وكذلك الحائض عدةً من أيام أخر ، بدلاً عن التي أفطرها ، ولو أوجبنا عليه الإمساك لأوجبنا عليه أكثر مما أوجبه الله ؛ لأننا حينئذ أوجبنا إمساك هذا اليوم مع وجوب قضائه ، فأوجبنا عليه أمرين مع أن الواجب أحدهما، وهو القضاء عدة من أيام أخر وهذا من أظهر الأدلة على عدم الوجوب . . . ولكن ينبغي أن لا يظهر الأكل والشرب علناً إذا كان في ذلك مفسدة" اهـ .
"فتاوى الصيام" (ص 102) .
وقال النووي في "المجموع" (6/174) :
"إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ رَمَضَانَ وَهُوَ مُفْطِرٌ , فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ بَرَأَتْ مِنْ مَرَضٍ وَهِيَ مُفْطِرَةٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا بِلا خِلَافٍ" اهـ .