إمامنا ينطق الطاء ضاداً . فما حكم إمامته ؟.
الحمد لله.
الذي يبدل حرفا بحرف ، يسمى (الألثغ) .
وله أحوال :
الأولى :
أن تكون لثغته يسيرة ، بحيث ينطق بأصل الحرف ، ولكنه يخل بكماله ، فهذه اللثغة لا تضر ، وله أن يصلي إماما .
قال في "تحفة المنهاج" (2/285) :
" لا تَضُرُّ لُثْغَةٌ يَسِيرَةٌ بِأَنْ لَمْ تَمْنَعْ أَصْلَ مَخْرَجِهِ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَافٍ " انتهى .
ونقل المرداوي في "الإنصاف" (2/271) عن الْآمِدِيّ قوله : " يَسِيرُ ذَلِكَ – يعني اللُثْغَةٌ - لا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ , وَيَمْنَعُ كَثِيرُهُ " انتهى .
الثانية :
أن تكون لثغته شديدة ، بحيث يبدل حرفاً بحرف ، ويستطيع تصحيح نطقه ولكنه لم يفعل ، فهذا لا تصح صلاته ولا إمامته ، إن كان هذا الحرف في الفاتحة .
قال النووي في المجموع (4/359) :
" تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاةِ بِجَمِيعِ حُرُوفِهَا وَتَشْدِيدَاتِهَا . . . فَلَوْ أَسْقَطَ حَرْفًا مِنْهَا أَوْ خَفَّفَ مُشَدَّدًا أَوْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِحَرْفٍ مَعَ صِحَّةِ لِسَانِهِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ " انتهى .
وقال أيضاً (4/166) :
" وَالأَلْثَغُ إنْ كَانَ تَمَكَّنَ مِنْ التَّعَلُّمِ فَصَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ بَاطِلَةٌ , فَلا يَجُوزُ الاقْتِدَاءُ بِهِ بِلا خِلافٍ " اهـ .
قال ابن قدامة في "المغني" (2/15) :
" وَمَنْ تَرَكَ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ ; لِعَجْزِهِ عَنْهُ , أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِهِ , كَالأَلْثَغِ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّاءَ غَيْنًا . . . إِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إصْلَاحِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ , لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ , وَلا صَلاةُ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ " انتهى باختصار .
الثالثة :
أن تكون لثغته شديدة ، بحيث يبدل حرفاً بحرف ، ولكنه لا يستطيع تصحيح نطقه ، فهذا تصح صلاته باتفاق العلماء .
قال النووي في المجموع (4/166) :
" وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الأَلْثَغُ مِنْ التَّعَلُّمِ بِأَنْ كَانَ لِسَانُهُ لا يُطَاوِعُهُ أَوْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا , وَلَمْ يَتَمَكَّنْ قَبْلَ ذَلِكَ ; فَصَلاتُهُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ " انتهى بتصرف يسير .
واختلف العلماء هل تصح إمامته أو لا ؟
فذهب كثير من العلماء أو أكثرهم إلى أنها لا تصح ، وذهب آخرون إلى أنها تصح .
ونقل النووي في "المجموع" (4/166) أنه اختار الصحة الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ , وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَقَتَادَةَ .
ونقل في "حاشية ابن عابدين" ( 1/582) عن بعض علماء المذهب الحنفي اختيارهم صحة إمامة الألثغ .
واحتج هؤلاء بأدلة ، منها :
1- قوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا ) البقرة/286. فإذا كان عاجزا عن النطق الصحيح فإنه لا يكلف إلا بما يستطيعه .
2- القياس على العجز عن القيام ، فكما أن القيام ركن لا تصح صلاة الفريضة إلا به ، ويسقط بالعجز عنه ، وتصح إمامة العاجز عنه ، فكذلك إمامة الألثغ لأنه عاجز عن النطق الصحيح .
انظر : "المجموع" (4/166) .
قال ابن حزم في المحلى (3/134) :
" وَأَمَّا الأَلْثَغُ , وَالأَلْكَنُ (هو الَّذِي لا تَتَبَيَّنُ قِرَاءَتُهُ ) , وَالأَعْجَمِيُّ اللِّسَانِ (هو الَّذِي لا يُفَرِّقُ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) وَاللَّحَّانُ (هو كثير الخطأ في الإعراب) فَصَلاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِمْ جَائِزَةٌ . لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا ) فَلَمْ يُكَلَّفُوا إلا مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ , لا مَا لا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ , فَقَدْ أَدَّوْا صَلاتَهُمْ كَمَا أُمِرُوا , وَمَنْ أَدَّى صَلاتَهُ كَمَا أُمِرَ فَهُوَ مُحْسِنٌ . قَالَ تَعَالَى : ( مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) " انتهى .
سئل الشيخ ابن عثيمين :
لقد سمعت أحدهم يقول بأن المرء الألثغ لا تصح له الإمامة بالناس أي لا تصح الصلاة خلفه لأن به عيباً ، فهل هذا صحيح أم لا وفقكم الله ؟
فأجاب : " هذا صحيح عند بعض أهل العلم ، يرون أن الألثغ إذا كانت لثغته بإبدال الحروف بعضها ببعض ، مثل أن يبدل الراء فيجعلها غيناً أو يجعلها لاماً أو ما أشبه ذلك فإن بعض أهل العلم يرون أنها لا تصح إمامته ، لأنه بمنزلة الأمي الذي لا تصح إمامته إلا بمثله ، ويرى آخرون أنها تصح إمامته لأن من صحت صلاته صحت إمامته ، ولأنه قد أتى بما يجب عليه وهو تقوى الله تعالى ما استطاع ، وقد قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) وإذا كان العاجز عن القيام يُصلي بالمأمومين القادرين عليه ، فإن هذا مثله ، لأن كلاً منهم عاجزٌ عن إتمام الركن ، هذا عن القيام ، وهذا عن القراءة ، وهذا القول هو الصحيح ، أن إمامة الألثغ تصح ، وإن كان يبدل حرفاً بحرف ، ما دامت هذه قدرته ، ولكن مع هذا ينبغي أن يُختار من يُصلي من الجماعة إنسانٌ ليس فيه عيب ، احتياطاً ، وخروجاً من الخلاف " . "فتاوى نور على الدرب"
وانظر : "الشرح الممتع" (4/248، 249) .
ثانياً : بالنسبة لما ذَكره السائل من إبدال الطاء ضادا ، فإن كان يبدلها ضادا حقيقة ، فقد سبق بيان حكمه . وإن كان هذا الإبدال قد يبدو بعيداً ، فيحتمل أن هذا الإمام ينطق بالطاء ولكنه يقترب بها شيئا ما من الضاد ، فتكون اللثغة يسيرة ، فلا تضر .
ويحتمل أن يكون ذلك تشددا من السائل في غير موضعه .