الحمد لله.
ذكرنا في هذا الموقع مسائل كثيرة تتعلق بالاستمناء ، فذكرنا حكمه وأنه حرام ، وذكرنا سبل الوقاية من فعله ، وسبل التخلص منه – ينظر لمن شاء جواب السؤال رقم ( 329 ) - ويبدو أنك قد اطلعت على ذلك كله ، وبما أنك تريد شيئاً خاصّاً بك : فسنتكلم معك في أمور محددة :
1. قيامك بالصلوات ، وحرصك على عدم إنشاء علاقات محرمة مع فتيات أجنبيات ، وحرصك على عدم الوقوع في العادة السيئة ، وندمك بعد فعلك لها : كل ذلك طيب ، وجيد ، وفي ميزان حسناتك إن شاء الله ، ونشد على يدك في الاستمرار به ، وتقويته ، وعدم التراجع عنه ، فلا بدَّ لإيمانك أن يبقى في ازدياد ، ولا تجعل للشيطان فرصة لينال منك ، فيشعرك بالتناقض ، أو يزهدك في الندم والتوبة ، فتكون من الهالكين .
2. لا تجمع مع العادة السيئة معاصيَ أخرى فتغضب بها ربك عز وجل ، وإذا كنت تشكو من غلبة شهوتك على إيمانك وعقلك ، فتمارس هذه العادة السيئة : فأي شيء يدعوك لفعل معاصٍ أخرى تغضب الجبار عز وجل ، ونعني به : النظر إلى مواقع إباحية فاسدة ؟! فاتق الله تعالى في نفسك ، ولا تسعر في قلبك نار الشهوة بالنظر المحرم ، أو القراءة للقصص الجنسية ، أو غيرها من المثيرات ، فكل ذلك مما لا تعذر به ؛ لأنه بيدك الفعل والترك .
3. وللأسف فأنت تعيش في دولة إباحية ، وتدرس في مكان مختلط ، وترى من المنكرات والفواحش ما يدفعك للوقوع في هذه العادة ، وليس من شك أن ارتكابك هذا الخطأ أخف إثما من وقوعك في الزنا ، لو قدر أن الفرصة أمكنتك من هذه الفاحشة ، ودار أمرك بين أن تزني أو تستمني ؛ لكن لو أنك أردت التخلص ـ فعلا ـ من هذه العادة ، وغيرها من المعاصي والمنكرات : لوجب عليك التخلص من أسباب جلب تلك الشهوات ، من وجود في بلد إباحي ، ومن النظر المحرم ، والاختلاط المنكر .
4. وما ذكرناه في إجاباتنا كافٍ لك ولغيرك ممن يود بصدق التخلص من هذه العادة ، ولكننا سنذكرك بأمرين مهمين نرجو أن يساعداك في التخلص من هذه العادة ، ومن غيرها من المحرمات :
الأمر الأول : هو أن نسألك : هل تستطيع فعل العادة السيئة أمام أهلك وإخوانك ؟ هل تستطيع فعلها أمام أصدقائك وجيرانك ؟ وهل تستطيع فعلها أمام أحدٍ من العلماء أو الصحابة ؟ نجزم عنك بأن الجواب : لا ، لا أستطيع ، ولو بلغت الشهوة مني مبلغها ، أليس كذلك ؟ حسناً ، هل تعلم أنك تفعلها أمام رب السموات والأرض ؟! هل تعلم أن خالق الكون يراك وأنت تفعلها ؟! هل تعلم أنك تفعلها والملائكة الكرام الكتبة يرونك ؟! فكيف لم تفكِّر في ذلك ؟ كيف جعلت الله تعالى أهون الناظرين إليك ؟!! .
فأيهم أولى بحيائك : من تخفي عنهم فعلتك أمامهم حتى لا يذكرونك بقبيح وسوء ، أم من يتوعدك بالعقوبة على فعلك ؟! .
قال تعالى : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ) النساء/ 108 .
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله – :
يعني جل ثناؤه بقوله : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ) يستخفي هؤلاء الذين يختانون أنفسهم ما أتَوْا من الخيانة ، وركِبوا من العار والمعصية ( مِنَ النَّاسِ ) الذين لا يقدرون لهم على شيءٍ إلا ذكرهم بقبيح ما أتَوْا من فعلهم ، وشنيع ما ركِبوا من جُرْمهم إذا اطلعوا عليه ، حياءً منهم وحذراً من قبيح الأحدوثة .
( وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ ) الذي هو مطلع عليهم ، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، وبيده العقاب ، والنَّكال ، وتعجيل العذاب ، وهو أحق أن يُستحى منه من غيره ، وأولى أن يعظَّم بأن لا يراهم حيث يكرهون أن يراهم أحد من خلقه .
( وَهُوَ مَعَهُمْ ) يعني : والله شاهدهم .
" تفسير الطبري " ( 9 / 191 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
وهذا مِن ضعف الإيمان ، ونقصان اليقين ، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله ، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس ، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم ، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم ، وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم ، خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه .
" تفسير السعدي " (ص 200 ) .
الأمر الثاني : أنك لا تدري متى تموت ، أليس كذلك ؟ ولا تدري على أي شيء تموت ؟ أليس كذلك ؟ فقف مع نفسك وقفة يسيرة ، وتأمل : ماذا لو أن الله تعالى قضى عليك بالموت وأنت تفعل هذه العادة السيئة ؟! وهل هذا من حَسَن الخاتمة أم من سيئها ؟ وكيف ستبعث من قبرك وآخر فعل لك هو هذه العادة ؟! ولعلك سمعت ما انتشر بالصوت والصورة عن قصص أولئك الفتيات الغافلات اللاتي جاءهن أجلهن وهن على فاحشة منكرة ؛ فمن يضمن لك – ولنا – حسن الخاتمة ؟ ومن يملك أمر الموت وساعة الأجل إلا الله ؟! .
فنرجو منك أخي الفاضل أن تفكر فيما ذكرناه لك ، وأن تتأمله جيِّداً ، واطلب من ربك بصدق وإخلاص أن يطهر قلبك وجوارحك من الآثام والمنكرات ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : ( يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ) رواه مسلم ( 2577 ) .
وبادر بإشغال وقتك بما هو مفيد ، واحرص على الصحبة الصالحة تحوطك وترعاك ، وعجِّل بالزواج فإنه لا يقطع شهوتك بالحلال إلا الزواج ، ولا يشترط فيه إذن أهلك .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) .
رواه البخاري ( 4778 ) ومسلم ( 1400 ) .
قال الإمام النووي – رحمه الله - :
من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه ، وهي مؤن النكاح : فليتزوج ، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه : فعليه بالصوم ليدفع شهوته ، ويقطع شر منيِّه ، كما يقطعه الوجاء ، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشبان ، الذين هم مظنة شهوة النساء ، ولا ينفكون عنها غالباً .
" شرح مسلم " ( 9 / 173 ) .
واحرص على النجاة بنفسك ، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن يطهر قلبك وجوارحك ، وأن يثبتك على الإيمان واليقين ، وأن يختم لك بخير .
ويمكنك الاطلاع على جواب السؤال رقم : ( 20229 ) ففيه بيان الوسائل التي تعين على غض البصر ، و جواب السؤال رقم : ( 20161 ) وفيه بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها ، وفي ( 39768 ) ذكرنا الآثار الصحية لهذه العادة على الجسم والعقل والوجه والذاكرة ، وذكرنا فيه طرق التخلص منها وعدم الوقوع فيها .
والله الموفق
تعليق