الحمد لله.
أولا :
إن المرء ليعجب ويحار أمام هذا العمل القبيح ، والفعل الشنيع ، والفاحشة المنكرة ، التي تصدر من رجل يعزف عن الحلال إلى الحرام ، ويرتكس في حمأة الزنا مدة عامين بدعوى الانتقام .
والمرأة موافقة له ، غير منكرة عليه ، رضيت بالإثم والنار ، خوف الفضيحة والعار ، فعاشا زانيين ، يظنهما الناس زوجين ، لكن حقيقة أمرهما لا تخفى على علام الغيوب ، فما أحلم الله ، وما أرحمه ، إذ أمهلهما ، ولم يأخذهما أخذ عزيز مقتدر .
وكيف غاب عن هذين الأحمقين شناعة ما أقدما عليه ، وكيف نسيا وتناسيا ما في الزنا من العقاب الشديد ، والعذاب الأليم ، حتى إذا ما حانت لحظة فيء ورجوع ، نراهما يحتالان ويتلاعبان ، ويجريان ما اعتبراه عقدا ضمنيا ، ونكاحا شرعيا !
وهذا دليل على تمكن الهوى من القلب عياذا بالله ، فلم تكن الأنفة من فاقدة العذرية ابتداء لله ، بل كانت لحظ النفس ، ولم يكن الرجوع إلى الحق كما يرضى الله ، بل على وجه يحمي هذه النفس الأمارة بالسوء ، وإن رجلا هذا حاله جدير بأن يحذر بقية عمره من نفسه التي بين جنبيه خشية أن تورده المهالك من حيث يشعر أو لا يشعر .
ولسنا بهذا الكلام نقنطهما من رحمة الله ، فإن رحمة الله واسعة ، لا تضيق بهذا المذنب ولا بغيره ، وحسبهما أن يتوبا إلى الله ، ويلجئا إليه ، ويكثرا من الاستغفار والندم ، وأن يعلما أن ربهما عفو كريم تواب رحيم ، وقد سترهما في الدنيا ، ونسأله سبحانه أن يسترهما في الآخرة ، لكن المقصود أن العبد عليه أن ينتبه لنقاط ضعفه ، ومكمن الداء في نفسه ، ليأخذها بالحزم والعزيمة والتربية قبل أن يستشري فسادها ، ويستعصي علاجها .
ثانيا :
إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية ، ولم يرجعها حتى انقضت عدتها ، لم يجز له نكاحها إلا بعقد جديد ومهر جديد ، على أن يكون العقد مستوفيا شروطه وأركانه ، من وجود الولي والشاهدين ، ورضا الزوجين ، وأما هذا الإيجاب الضمني من الولي فلا وزن له ، فإن المقصود من الإيجاب : أن يكون على وجه الإنشاء ، فيقول الولي : زوجتك ابنتي ، ويقول الخاطب : قبلت ، وهذا لم يحصل ، لأن الولي لا يدري انقطاع النكاح حتى يسعى لتجديده .
وعليه ، فالواجب التفريق بين الزوجين حتى يتم عقد النكاح الصحيح بين الزوج وولي المرأة ، في حضور شاهدين ، وللزوجين أن يقولا : إنه حدثت طلقة ولم يتم الإرجاع حتى انقضت العدة ، على وجه يُفهم منه قرب وقوع ذلك ، سترا على أنفسهما ، والله المستعان .
وأما الولد الذي رزقاه في تلك الفترة فهو منسوب إليهما ، لاعتقادهما حل هذا النكاح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين , وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين ..... فإن ثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر ; بل الولد للفراش , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ) فمن طلق امرأته ثلاثا ووطئها يعتقد أنه لم يقع به الطلاق : إما لجهله . وإما لفتوى مفتٍ مخطئ قلده الزوج ، وإما لغير ذلك , فإنه يلحقه النسب , ويتوارثان بالاتفاق ; بل ولا تحسب العدة إلا من حين ترك وطأها ; فإنه كان يطؤها يعتقد أنها زوجته , فهي فراش له فلا تعتد منه حتى تترك الفراش . ومن نكح امرأة نكاحا فاسدا , متفقا على فساده , أو مختلفا في فساده ، أو ملكها ملكا متفقا على فساده , أو مختلفا في فساده ، فإن ولده منها يلحقه نسبه , ويتوارثان باتفاق المسلمين . " انتهى اختصاراً من "الفتاوى الكبرى" (3/325).
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (23269) ورقم (101702) .
والله أعلم .
تعليق