الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

هل يجب على المرأة خدمة زوجها؟

119740

تاريخ النشر : 28-06-2008

المشاهدات : 967047

السؤال

كثيراً ما نسمع عن حوادث طلاق أو ضرب للزوجة من قبل الزوج بسبب أمور تافهة مثل (عدم طبخ الغداء) أو (تأخير الغداء) أو (حرق الغداء)، وعندما تسألهم عن سبب ذلك التصرف يكون القول: (لأنها أهملت في واجباتها الشرعية)، ولكن هل فكر أحدكم يوماً من الأيام عن الحكم في خدمة الزوجة لزوجها من الناحية الشرعية؟ هل يجب على المرأة (شرعاً) الطبخ لزوجها؟ أو تنظيف البيت أو الملابس؟ جمهور العلماء يقولون إنه لا حق للزوج على زوجته في هذه الأمور، إلا أن تقوم بها مختارة دون إلزام، فهل هذا صحيح؟

ملخص الجواب

الراجح من أقوال الفقهاء هو وجوب خدمة المرأة لزوجها بالمعروف، وأن المرأة مطالبة بالعمل في البيت، كما أن الرجل مطالب بالعمل والكسب خارجه.

الحمد لله.

اختلاف الفقهاء في حكم خدمة الزوجة لزوجها

اختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزوجة لزوجها، فذهب الجمهور إلى أنه لا يجب عليها ذلك، وذهب بعض أهل العلم إلى الوجوب.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (19/44): " لا خلاف بين الفقهاء في أن الزوجة يجوز لها أن تخدم زوجها في البيت، سواء أكانت ممن تخدم نفسها أو ممن لا تخدم نفسها.
إلا أنهم اختلفوا في وجوب هذه الخدمة:

فذهب الجمهور (الشافعية والحنابلة وبعض المالكية) إلى أن خدمة الزوج لا تجب عليها لكن الأولى لها فعل ما جرت العادة به.

وذهب الحنفية إلى وجوب خدمة المرأة لزوجها ديانةً لا قضاءً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قَسَّم الأعمال بين علي وفاطمة رضي الله عنهما، فجعل عمل الداخل على فاطمة، وعمل الخارج على علي، ولهذا فلا يجوز للزوجة - عندهم - أن تأخذ من زوجها أجرا من أجل خدمتها له.

وذهب جمهور المالكية وأبو ثور، وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني، إلى أن على المرأة خدمة زوجها في الأعمال الباطنة التي جرت العادة بقيام الزوجة بمثلها؛ لقصة علي وفاطمة رضي الله عنها، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت، وعلى علي بما كان خارج البيت من الأعمال، ولحديث: لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نولها [حقها] أن تفعل. قال الجوزجاني: فهذه طاعته فيما لا منفعة فيه فكيف بمؤنة معاشه.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه بخدمته فيقول: يا عائشة أطعمينا، يا عائشة هلمي المدية واشحذيها بحجر.

وقال الطبري: إن كل من كانت لها طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز، أو طحن، أو غير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج، إذا كان معروفا أن مثلها يلي ذلك بنفسه " انتهى.

وجاء فيها (30/126) أيضاً في بيان مذهب المالكية السابق: "... إلا أن تكون من أشراف الناس فلا تجب عليها الخدمة، إلا أن يكون زوجها فقير الحال " انتهى.

ويتأكد القول بلزوم الخدمة على المرأة إذا جرت العادة به، وتزوجت دون أن تشترط ترك الخدمة، لأن زواجها كذلك يعني قبولها الخدمة؛ لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.

وقد رجح جماعة من أهل العلم القول بوجوب خدمة الزوجة لزوجها وذكروا أدلة ذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة. وقاله الجوزجاني من أصحابنا وأبو بكر بن أبي شيبة" انتهى من "الاختيارات" ص 352.

حكم النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها

وقال ابن القيم رحمه الله: "فصل: في حكم النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها:

"قال ابن حبيب في "الواضحة": حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين على بن أبى طالب رضي الله عنه، وبين زوجته فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة، خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة، ثم قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العجين، والطبخ، والفرش، وكنس البيت، واستقاء الماء، وعمل البيت كله.

في الصحيحين: أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى، وتسأله خادما فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته قال علي: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: مكانكما، فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم. قال علي: فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين).

وصح عن أسماء أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس وكنت أسوسه، وكنت أحتش له، وأقوم عليه. وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه، وتسقى الماء، وتخرز الدلو وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ.

فاختلف الفقهاء في ذلك، فأوجب طائفة من السلف والخلف خدمتها له في مصالح البيت، وقال أبو ثور: عليها أن تخدم زوجها في كل شيء.

ومنعت طائفة وجوب خدمته عليها في شيء، وممن ذهب إلى ذلك مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأهل الظاهر، قالوا: لأن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع، لا الاستخدام وبذل المنافع، قالوا: والأحاديث المذكورة إنما تدل على التطوع ومكارم الأخلاق، فأين الوجوب منها؟

واحتج من أوجب الخدمة بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه، وأما ترفيه المرأة، وخدمة الزوج، وكنسه، وطحنه، وعجنه، وغسيله، وفرشه، وقيامه بخدمة البيت، فمن المنكر، والله تعالى يقول: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف البقرة/228، وقال: الرجال قوامون على النساء النساء/34، وإذا لم تخدمه المرأة، بل يكون هو الخادم لها، فهي القوامة عليه.

وأيضا: فإن المهر في مقابلة البضع، وكل من الزوجين يقضي وطره من صاحبه، فإنما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة استمتاعه بها وخدمتها، وما جرت به عادة الأزواج.

وأيضا: فإن العقود المطلقة إنما تنزّل على العرف، والعرف خدمة المرأة، وقيامها بمصالح البيت الداخلة، وقولهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعا وإحسانا يردّه أن فاطمة كانت تشتكى ما تلقى من الخدمة، فلم يقل لعلى: لا خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابى في الحكم أحدا، ولما رأى أسماء والعلف على رأسها، والزبير معه، لم يقل له: لا خدمة عليها، وإن هذا ظلم لها، بل أقره على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية، هذا أمر لا ريب فيه.

ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءته صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة، فلم يشكها، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المرأة عانية، فقال: اتقوا الله في النساء، فإنهن عوانٍ عندكم، والعانى: الأسير، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده، ولا ريب أن النكاح نوع من الرق، كما قال بعض السلف: النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته، ولا يخفى على المنصف الراجح من المذهبين، والأقوى من الدليلين." انتهى من "زاد المعاد" (5/186).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما خدمتها لزوجها فهذا يرجع إلى العرف، فما جرى العرف بأنها تخدم زوجها فيه وجب عليها خدمته فيه، وما لم يجرِ به العرف لم يجب عليها، ولا يجوز للزوج أن يلزم زوجته بخدمة أمه أو أبيه أو أن يغضب عليها إذا لم تقم بذلك، وعليه أن يتقي الله ولا يستعمل قوته، فإن الله تعالى فوقه، وهو العلي الكبير عز وجل، قال الله تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".

وقال في "الشرح الممتع" (12/441): " والصحيح أنه يلزمها أن تخدم زوجها بالمعروف " انتهى.

وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: هل من الواجب على الزوجة أن تطبخ الطعام لزوجها؟ وإن هي لم تفعل، فهل تكون عاصية بذلك؟

فأجاب: "لم يزل عُرْف المسلمين على أن الزوجة تخدم زوجها الخدمة المعتادة لهما في إصلاح الطعام وتغسيل الثياب والأواني وتنظيف الدور ونحوه، كلٌّ بما يناسبه، وهذا عرف جرى عليه العمل من العهد النبوي إلى عهدنا هذا من غير نكير، ولكن لا ينبغي تكليف الزوجة بما فيه مشقَّة وصعوبة، وإنما ذلك حسب القدرة والعادة، والله الموفق " انتهى من "فتاوى العلماء في عشرة النساء" ص 20.

وبهذا يتبين أن الراجح وجوب الخدمة بالمعروف، وأن المرأة مطالبة بالعمل في البيت، كما أن الرجل مطالب بالعمل والكسب خارجه.

ومن تمسك بقول الجمهور في نفي وجوب الخدمة، قيل له: والجمهور لا يوجبون على الزوج علاج زوجته إذا مرضت، وعللوا ذلك بأن العلاج ليس حاجة أساسية، أو بأن النفقة إنما تكون فيما يقابل المنفعة، والتداوي إنما هو لحفظ أصل الجسم.

ولكن من نظر إلى كون العلاج أصبح حاجة أساسية في هذا العصر، تبين له رجحان القول بوجوب معالجة الزوج لزوجته. وقد سبق بيان ذلك في جواب هذا السؤال: هل يجب على الزوج علاج زوجته؟
وإذا لم تقم الزوجة بأعمال البيت، فمن الذي سيقوم بها؟ والزوج مشغول سائر يومه بالكسب، وأكثر الناس لا يستطيع دفع أجرة للخادمة. ولو أن النساء امتنعن عن الخدمة، لأعرض الرجال عن الزواج منهن، أو اشترطوا عليهن الخدمة في عقد النكاح، ليزول الإشكال.

 

ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 130314، 120282، 310776 .
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب