الحمد لله.
أولا :
اتفق الفقهاء على عدم مشروعية الأذان والإقامة لصلاة العيد .
وفي صحيح مسلم (886) أن ابْنُ جُرَيْجٍ قال : أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَا : ( لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى ) .
قال ابن جريج : ثُمَّ سَأَلْتُهُ ـ يعني : عطاءً ـ بَعْدَ حِينٍ عَنْ ذَلِكَ ، فَأَخْبَرَنِي قَالَ : أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ : ( أَنْ لَا أَذَانَ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ يَخْرُجُ الْإِمَامُ ، وَلَا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ ، وَلَا إِقَامَةَ وَلَا نِدَاءَ وَلَا شَيْءَ ؛ لَا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ وَلَا إِقَامَةَ ) .
واختلفوا في النداء لها بكلام آخر كقولهم " الصلاة جامعة "، أو " صلاة العيد يرحمكم الله " ونحو ذلك ، على قولين :
القول الأول : المنع ، قالوا فلا ينادى لها بشيء ، لا يقال : " الصلاة جامعة "، ولا غير ذلك، وهو أحد القولين في مذهب المالكية والحنابلة .
قال ابن قدامة رحمه الله:
" عن عطاء , قال : أخبرني جابر أن لا أذان يوم الفطر حين يخرج الإمام , ولا بعد ما يخرج الإمام , ولا إقامة , ولا نداء ولا شيء , لا نداء يومئذ ولا إقامة . رواه مسلم
وقال بعض أصحابنا : ينادى لها : الصلاة جامعة . وهو قول الشافعي . وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع " انتهى. " المغني " (2/117)
وقال الحطاب المالكي رحمه الله :
" ( ولا ينادي الصلاة جامعة ) قال ابن ناجي في شرح الرسالة الذي تلقيناه من شيوخنا : إن مثل هذا اللفظ بدعة لعدم وروده انتهى .
وقال الشيخ يوسف بن عمر ولا بأس أن يقول : الصلاة جامعة وإن كانت بدعة .
وفي " التوضيح " و " الشامل " و " الجزولي " أنه ينادي : " الصلاة جامعة " " انتهى. " مواهب الجليل شرح مختصر خليل " (2/191)
وقال ابن عليش المالكي رحمه الله :
" ( ولا ينادَى ) لفعلها بنحو قول ( الصلاة جامعة ) أي : يُكره ، أو يُخالف الأولى لعدم ورود ذلك فيها ، وبالكراهة صرح في " التوضيح " و " الشامل " و " الجزولي
وصرح ابن ناجي وابن عمر وغيرهما بأنه بدعة .
وما ذكره الخرشي من أنه جائز غير صواب ، وما ذكره من أن الحديث ورد بذلك فيها فهو مردود بأنه لم يرد في العيد , وإنما ورد في الكسوف كما في " التوضيح " و " المواق " وغيرهما عن " الإكمال ".
وقياس العيد على الكسوف لا يصح لتكرر العيد وشهرته وندور الكسوف .
نعم نقل " المواق " أول باب الأذان أن " عياضا " استحسن أن يقال عند كل صلاة لا يؤذن لها: " الصلاة جامعة " لكن المصنف لم يعرج عليه . " انتهى.
" منح الجليل شرح مختصر خليل " (1/460)
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " :
" إذا قام الإمام لصلاة العيد فإنه يبدأ بتكبيرة الإحرام ، ولا يقول للناس قبلها : الصلاة جامعة ، ولا صلاة العيد ، ولا غير ذلك من الألفاظ ؛ لعدم ورود ما يدل عليه ، وإنما ينادى بـ : " الصلاة جامعة " في كسوف الشمس ، وخسوف والقمر " انتهى.
(8/314)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وقال بعض العلماء ؛ وهو المذهب : إنه ينادى للاستسقاء ، والعيدين : " الصلاة جامعة " لكن هذا القول ليس بصحيح ، ولا يصح قياسهما على الكسوف لوجهين :
الوجه الأول : أن الكسوف يقع بغتة ، خصوصاً في الزمن الأول لما كان الناس لا يدرون عنه إلا إذا وقع .
الوجه الثاني : أن الاستسقاء والعيدين لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم ينادي لهما ؛ وكل شيء وجد سببه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يفعله : ففعله بدعة ؛ لأنه ليس هناك مانع يمنع الرسول صلّى الله عليه وسلّم من النداء ، ولو كان هذا السبب يشرع له النداء لأمر المنادي أن ينادي لها .
فالصواب : أن العيدين والاستسقاء لا ينادى لهما " انتهى.
" الشرح الممتع " (5/199) .
وهو اختيار الشيخ السعدي رحمه الله ، كما في " المختارات الجلية " (ص/53)
وقد سبق اختيار هذا القول ، وتأييده بالنقول عن أهل العلم في جواب السؤال رقم : (48972)
القول الثاني : مشروعية النداء بقولهم : " الصلاة جامعة "، أو " الصلاة يرحمكم الله "، ونحو ذلك من الكلمات التي تشعر بإقامة الصلاة .
وهو قول الحنفية كما في " العناية شرح الهداية " (1/424)، وقول الشافعية ، والصحيح عند الحنابلة ، ومذهب الظاهرية كما في " المحلى " (2/178) .
قال النووي رحمه الله:
" قال الشافعي والأصحاب : ويستحب أن يقال : الصلاة جامعة ; لما ذكرناه من القياس على الكسوف قال الشافعي في الأم : وأحب أن يأمر الإمام المؤذن أن يقول في الأعياد , وما جمع الناس من الصلاة : " الصلاة جامعة " أو " الصلاة " قال : وإن قال : " هلم إلى الصلاة " لم نكرهه وإن قال : " حي على الصلاة " فلا بأس ، وإن كنت أحب أن يتوقى ذلك لأنه من كلام الأذان ، وأحب أن يتوقى جميع كلام الأذان " انتهى.
" المجموع " (5/20)
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" ( وينادى لعيد وكسوف واستسقاء : الصلاة جامعة , أو الصلاة )
قال في الفروع : وينادى لكسوف لأنه في الصحيحين , واستسقاء ، وعيد : " الصلاة جامعة " أو " الصلاة " . وقيل : لا ينادى . وقيل : لا ينادى في عيد كجنازة وتراويح على الأصح فيهما ، قال ابن عباس وجابر : ( لم يكن يؤذن يوم الفطر حين خروج الإمام ، ولا بعد ما يخرج , ولا إقامة ، ولا نداء ، ولا شيء ) متفق عليه ." انتهى.
" كشاف القناع " (1/233)، وانظر " الإنصاف " (1/428)، وقال في (2/459): هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب .
والراجح كما سبق ذكره هو القول الأول ، أنه لا ينادى لصلاة العيد بشيء ، فإن وقع ذلك فلا حرج على الحاضر ، فهو قول معتبر لدى الفقهاء ، ولا ينبغي أن يتسبب مثل ذلك في شقاق أو تدابر بين المصلين ، خاصة في مثل ذلك اليوم ؛ بل إن أمكنه أن يرشده القائمين على ذلك باللين والحسنى إلى ما هو الثابت في السنة ، فبها ونعمت ، وإلا حضر الصلاة معهم ، ولا شيء عليه إن شاء الله . على أننا ننبه أن من أراد أن يعلم غيره السنة في ذلك ، أو يدل على الصواب : فليكن ذلك قبل اجتماع الناس للصلاة ، وأما إذا حضر الناس ، فيصعب حينئذ أن يكون النصح والإرشاد هادئا ومفيدا ، ولا يؤمن أن يترتب عليه ما يثير التباغض والتدابر ، بل ما هو أكثر من ذلك .
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه من القول والعمل ، وأن يجنبنا وإياكم الفتن ، ما ظهر منها وما بطن .
والله أعلم .
تعليق