الجمعة 7 جمادى الأولى 1446 - 8 نوفمبر 2024
العربية

كيف يتصرف من استمع لخطيبٍ دعا إلى ضلالة أو قرَّر بدعة ؟

السؤال

لدينا إمام المسجد المحلي يحث على فعل بعض البدع ، بعض الإخوة حذَّره من هذه البدع بالدليل ، ولكن إلى الآن مصرّ على هذه البدع ، هل تنصحون أن لا يذهب المرء إلى خطبة صلاة الجمعة في الأيام التي يعلم أن الخطبة ستكون عن الحث في فعل البدع ( مثلا كاحتفال بالمولد ، والنصف من شعبان , الخ ... ) ؟ وماذا يفعل المرء إذا ذهب إلى خطبة الجمعة ثم بدأ الإمام يحث على فعل بعض البدع ؟ هل يقوم أثنا الخطبة ويذهب إلى بيته ويصلي صلاة الظهر , أم ماذا يفعل ؟ هل يحتمل المرء أيّ إثم لو شهد هذه الخطب ؟ لأن بعض الإخوة نصحوا الإمام ولكنه مصرّ عليها ؟ هل نفس الحكم وارد لو كان يذكر الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة في بعض الخطب ؟ . جزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله.

أولاً:
من ابتلي في مسجد حيَّه بإمام صاحب بدعة : فلا تخلو بدعته من أن تكون كفريَّة ، أو دون ذلك ، فإن كانت بدعة كفرية : لم يجز الصلاة خلفه ، لا جمعة ، ولا جماعة . وإن كانت بدعة لا تخرجه من الملة : فالراجح هو جواز الصلاة خلفه ، جمعةً ، وجماعة ، وقد استقرَّ هذا الحكم – غالباً – حتى صار شعاراً لأهل السنَّة ، والصحيح – كذلك - : أنه لا يعيد الصلاة إن صلاَّها خلف ذلك المبتدع ، والقاعدة في ذلك : " أنه من صحَّت صلاته لنفسه : صحَّت إمامته " .
وإن أمكن الذهاب لغير ذلك الإمام المبتدع : فقد يتعيَّن ذلك ، وخاصة على أعيان العلماء ، وطلبة العلم ، وذلك من باب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأما ترك الصلاة خلفه للصلاة في البيت : فليس هذا جائزاً في الجماعة ، ومن باب أولى أنه لا يجوز في الجمعة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
ولو علم المأمومُ أن الإمام مبتدعٌ ، يدعو إلى بدعته ، أو فاسق ظاهر الفسق ، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه ، كإمام الجمعة ، والعيدين ، والإمام في صلاة الحج بعرفة ، ونحو ذلك : فإن المأمومَ يصلي خلفه ، عند عامة السلف والخلف ، وهو مذهب أحمد ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وغيرهم .
ولهذا قالوا في العقائد : " إنه يصلِّي الجمعة والعيد خلف كل إمام ، بَرّاً كان ، أو فاجراً " ، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد : فإنها تصلي خلفه الجماعات ؛ فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده ، وإن كان الإمام فاسقاً .
هذا مذهب جماهير العلماء : أحمد بن حنبل ، والشافعي ، وغيرهما ، بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد ، ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر : فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة ، كما ذكره في رسالة " عبدوس " ، وابن مالك ، والعطار ،
والصحيح : أنه يصليها ، ولا يعيدها ؛ فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة ، والجماعة ، خلف الأئمة الفجار ، ولا يعيدون كما كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ، وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة ، وكان يشرب الخمر حتى إنه صلى بهم مرة الصبح أربعاً ، ثم قال : أزيدكم ؟ فقال ابن مسعود : ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة ! ولهذا رفعوه إلى عثمان.
وفي صحيح البخاري أن عثمان رضي الله عنه لمَّا حُصر : صلَى بالناس شخص ، فسأل سائل عثمان ، فقال : إنك إمام عامة ، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة ، فقال : يا بن أخي ، إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس ، فإذا أحسنوا : فأحسن معهم ، وإذا أساءوا : فاجتنب إساءتهم ، ومثل هذا كثير .
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة ، فإذا صلى المأموم خلفه : لم تبطل صلاته ، لكن إنما كره مَن كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ، ومن ذلك أن من أظهر بدعة ، أو فجوراً لا يرتَّب إماماً للمسلمين ، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب ، فإذا أمكن هجره حتى يتوب : كان حسناً ، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه ، وصلَّى خلف غيره : أثَّر ذلك حتى يتوب ، أو يُعزل ، أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه : فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه : كان فيه مصلحة ، ولم يفت المأموم جمعة ، ولا جماعة .
وأما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعةَ ، والجماعةَ : فهنا لا يَترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع ، مخالف للصحابة رضي الله عنهم .
" الفتاوى الكبرى " ( 2 / 307 ، 308 ) .
ثانياً:
بما سبق يُعلم أنه لا يجوز لمن سمع الخطيب يدعو لبدعة كالبدع التي أشرت إليها في سؤالك ، أو يحث على فعلها ، أو يذكر أحاديث ضعيفة ، أو موضوعة : لا يحل له مفارقة المسجد ، وترك الخطبة ، إلا أن يكون عالِماً ذا شأن ، وعلى أن يفارقه ليصلِّي عند غيره ، وعلى أن يكون قد سبق منه النصح لذلك الخطيب ، وتبيين الحق له ، وأما إن لم يكن منه سابق نصح ، أو كان لا يلحق مسجداً آخر : فالظاهر هو عدم جواز الخروج من المسجد أثناء الخطبة ، إلا أن يكون الخطيب ممن لا تجوز الصلاة خلفه أصلاً لوقوعه في الكفر .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم : ( 6366 ) حكم مقاطعة خطيب الجمعة أثناء الخطبة إذا تكلَّم بضلال ، أو قرَّر بدعة ، أو دعا إلى شرك ، وقلنا هناك بجواز ذلك ، لكنه مقيَّد بعدم ترتب فتنة بين النَّاس في ذلك ، وتضييع الجمعة عليهم ، ويؤجل من أراد الإنكار عليه لحين انتهاء الخطبة ، فيقوم ويبين للناس خطأ ما قال الخطيب .
ويجب على من أراد القيام بالإنكار أن يتلطف في بيان الحق ، ونقد ما قال ذلك الخطيب ، حتى يؤدي إنكار المنكر ثمرته المرجوَّة .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
ما حكم الإسلام في خطيب يتحدث أثناء الخطبة ، أو كلها ، عن إسرائيليات ، أو يذكر أحاديث ضعيفة ، يبغي بذلك إعجاب الناس به ؟ .
فأجابوا :
إذا علمتَ يقيناً أن ما يذكره في الخطبة إسرائيليات لا أصل لها ، أو أحاديث ضعيفة : فانصحه بأن يأتي بدلاً عنها بالأحاديث الصحيحة ، والآيات القرآنية ، ولا يجزم بنسبة شيء إليه صلى الله عليه وسلم لا يعلم صحته ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) الحديث رواه مسلم في الصحيح ، على أن تكون النصيحة بالأسلوب الحسن ، لا بالشدة ، والعنف ، وفقك الله ، ونفع بك .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 8 / 229 ، 230 ) .
والخلاصة :
أنه إن أمكنكم الذهاب لمسجد لا تقام فيه بدعة ، ولا يدعو خطيبه لضلالة : فحسنٌ تفعلون ، وإن لم يمكنكم ذلك ، أو لم يكن عندكم مسجد آخر : فلا يجوز لكم ترك الجمع والجماعات لأجل ما ذكرتم ، وعليكم الاجتهاد في النصح والدعوة إلى الله ، والحرص على التلطف ، والأسلوب الحسن في دعوة الناس .
والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب