الحمد لله.
أولا :
المال الحرام نوعان : ما كان محرم العين كالمال المسروق والمغصوب ، وهذا لا يجوز قبوله من أحد ؛ لأنه يجب رده إلى أهله .
وما كان محرما لطريقة كسبه ، كالمال المأخوذ من التعامل بالربا أو العمل في أعمال محرمة كالرشوة والغش وأجرة الغناء والرقص ، ويدخل في ذلك ما ذكرت من العمل في ضبط الصوت في الأفلام والمسلسلات المحرمة . وهذا المحرم لكسبه حرام على كاسبه فقط ، وأما من أخذه منه بوجه مشروع فلا شيء عليه ، وإن كان الأولى التورع عنه ، وتوقي أكله والانتفاع به ، لا سيما إن كان تركه سوف يؤثر في صاحبه الأصلي ، ويحمله على ترك هذا العمل .
صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أنه سئل عمن له جار يأكل الربا ، ويدعوه إلى طعامه ؟
فقال : " أجيبوه ؛ فإنما المهنأ لكم ، والوزر عليه " . انتهى . جامع العلوم والحكم (71) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : رجلٌ علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه فهل يكون ذلك من العقوق ؟
فأجاب : "الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام إن كان حراماً بعينه، بمعنى: أنه يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص فلا يجوز أن يأكله، لو علمت أن أباك سرق هذه الشاة وذبحها فلا تأكل، ولا تُجِبْ دعوته ، أما إذا كان الحرام من كسبه يعني: أنه هو يرابي أو يعامل بالغش أو ما يشابه ذلك ، فكل ، والإثم عليه هو .
، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل من مال اليهود وهم معروفون بأخذ الربا وأكل السحت، أهدت إليه يهودية شاةً في خيبر مسمومة ليموت ، ولكن الله عصمه من ذلك إلى أجلٍ مسمى . ودعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة (أي : دهن متغير الرائحة) فأجابه وأكل ، واشترى من يهودي طعاماً لأهله وأكله هو وأهله ، فليأكل والإثم على والده " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (188/13) .
وعليه فلا حرج عليك في قبول هذا المال الذي جاءك من قريبك والانتفاع به .
وإذا أردت أن تتصدقي به على زوجك المعسر : فهو من أهل الصدقة ، إذا كان مدينا معسرا ، ويحل له الأخذ من صدقتك ، سواء كانت الصدقة من هذا المال أو غيره .
قالت زينب ، زوجة عبد الله بن مسعود ، للنبي صلى الله عليه وسلم :
( يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّكَ ؛ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ ؛ زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ ) .
رواه البخاري (1462) ومسلم (1000) .
ثانيا :
يلزم صاحب المال الحرام أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يتخلص من المال الحرام الباقي في يده ، وذلك بصرفه في أوجه الخير ، وإعطائه للفقراء والمساكين وأصحاب الديون ونحوهم ، بنية التخلص لا الصدقة ؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا .
وعليه : فلو أن قريبك تخلص من هذا المال ، وأعطاه لزوجك ليقضي به دينا ، فقد أحسن في ذلك ، ولزوجك قبوله . ولو أعطاه دون نية التخلص ، أو أعطاك المال فأعطيته لزوجك ، فلا حرج عليك في ذلك كما سبق ؛ لأنكم أخذتموه بطريق مشروع وهو الهبة أو الهدية ، والإثم إنما يلحق كاسبه .
ثالثا :
يجوز قبول هدية الكافر ، تأليفا لقلبه وترغيبا له في الإسلام ، أو برا وقسطا به لقرابة وجوار ونحوه ، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدية المقوقس ، والشاة من اليهودية ، وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم ( 85108 ) .
والله أعلم .
تعليق