الحمد لله.
أولاً :
انتشار المساجد ، وكثرتها ، ولو في الحي الواحد : علامة خير ، وهو مما يشجع الناس على أداء الصلاة في بيوت الله ، لكننا ففي الوقت نفسه ننبه على أمورٍ :
1. أن لا يكون بناء المساجد بتقارب شديد ، لئلا يؤدي ذلك إلى تفريق جماعة المسلمين ، وقد يكون في بنائها شيء من الإسراف ، والمباهاة ، وقد يغلق بعضها في بعض الصلوات لعدم وجود من يصلي فيه .
2. أن لا يصلَّى الجمعة فيهما ، بل يصلى في المسجد الكبير منهما ؛ ليجتمع المصلون في مسجد واحد .
3. بناء المساجد في المناطق التي تخلو من مساجد بالكلية أولى من بنائها في أماكن يوجد فيها من المساجد ما يكفي المصلين .
ثانياً :
بما أن الحال هو ما ذكرتَ : فإننا نرى أن تكون الصلاة في المسجد الأول ؛ لأمور :
1. أن اجتماع المصلين في مسجد واحد من شأنه أن يحقق الألفة بينهم ، ويزيد في ترابطهم ، فيُعرف مريضهم فيُعاد ، وفقيرهم فيُعان ، وميتهم فيُصلَّى عليه ، ويُعزى أهله .
2. أن المسجد الذي يصلي فيه أهل الحي جميعهم يعين على تعليمهم ، ووعظهم ، بخلاف تشتتهم في أكثر من مكان ، فإذا جاء العالم ليُعلِّم ، والواعظ ليعظ ، ويكون الناس قد اجتمعوا في صعيد واحد : فإن الخير والنفع والفائدة تصل لجميعهم .
3. كلما زاد عدد المصلين في الجماعة : كان أحب إلى الله .
فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) رواه أبو داود (554) والنسائي (843) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"لو قدِّر أن هناك مسجدين ، أحدهما أكثرُ جماعة مِن الآخر : فالأفضلُ أن يذهبَ إلى الأكثرِ جماعة ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال : (صَلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أزكى مِن صلاتِهِ وحدَهُ ، ...) .
وهذا عامٌّ ، فإذا وُجِدَ مسجدان : أحدُهما أكثرُ جماعة مِن الآخرِ : فالأفضلُ أن تُصلِّيَ في الذي هو أكثر جماعة" انتهى .
"الشرح الممتع على زاد المستقنع" (4/150 ، 151) .
وقال الشيخ أيضاً :
"الأفضل لغير أهل الثَّغر أنْ يصلِّي في المسجدِ الذي تُقام فيه الجماعةُ إذا حضر ، ولا تُقام إذا لم يحضر ، مثال ذلك : إذا كان هناك مسجدٌ قائمٌ يصلِّي فيه الناسُ ، لكن فيه رَجُلٌ إن حَضَرَ وصار إماماً : أُقيمت الجماعةُ ، وإنْ لم يحضُرْ : تفرَّقَ الناسُ : فالأفضلُ لهذا الرَّجُلِ أنْ يصلِّيَ في هذا المسجدِ مِن أجلِ عِمارته ؛ لأنَّه لو لم يحضُرْ لتعطَّلَ المسجدُ ، وتعطيلُ المساجدِ لا ينبغي ، فصلاةُ هذا الرَّجُلِ في هذا المسجدِ : أفضلُ مِن صلاتِهِ في مسجدٍ أكثرَ جماعةٍ .
لكن ينبغي أن يقيَّد هذا بشرطٍ ، وهو أن لا يكون المسجدُ قريباً مِن المسجدِ الأكثرِ جماعةً ، فقد يُقال : إنَّ الأفضلَ أن يجتمعَ المسلمون في مسجدٍ واحدٍ ، وأنَّ هذا أَولى مِن التفرُّق ، فإذا قُدِّرَ أن هذا مسجدٌ قديمٌ ينتابه خمسةٌ ، أو عشرةٌ من الناسِ ، وحولَه مسجدٌ يجتمعُ فيه جمعٌ كثيرٌ ، ولا يشقُّ على أهلِ المسجدِ القديمِ أنْ يتقدَّموا إلى المسجدِ الآخرِ ، فرُبَّما يُقال : إنَّ الأفضلَ أن ينضمُّوا إلى المسجدِ الآخر ، وأن يجتمعوا فيه ؛ لأنَّه كلَّما كَثُرَ الجمعُ : كان أفضل" انتهى .
"الشرح الممتع على زاد المستنقع" (4/150) .
وعليكم بمناصحة هذا الإمام لعل الله يهديه ويوفقه لاتباع السنة والحرص عليها .
وأخيراً .. كان يسعنا أن نفتيكم بالصلاة في المسجد الأقل عدداً من المصلين إذا كان أهل المسجد الآخر معروفين بكراهة السنة ومحاربتها ومحاربة أهلها ، وقد قمتم معهم بواجب النصيحة ولكن بلا فائدة .
ففي هذه الحالة : صلاتكم في هذا المسجد يقيمون فيه السنة وتعلمونها الناس أفضل بلا شك .
ولكن ما دام الأمر لم يصل إلى هذا الحد فنرى أن تجتمعوا في مسجد واحد .
ونسأل الله لكم التوفيق والهداية
والله أعلم
تعليق