الحمد لله.
معلوم أن الشريعة قائمة على تحقيق المصالح الشرعية وتكميلها ، وتعطيل المفاسد بكافة أنواعها ، أو تقليلها .
وإذا قدر أنه لم يمكن تحصيل المصالح المفترضة جميعها : فالواجب على المكلف أن يسعى في تحصيل أعظم المصالح قدرا ، بميزان الشرع ، حتى لو فاته ما هو أقل منها .
وإذا لم يستطع التخلص من المفاسد المفترضة جميعها : فإنه يسعى في دفع أعظم هذه المفاسد ، وأخطرها فالأخطر ؛ حتى لو ذلك وقوعه في مفاسد هي أهون منها ، وأقل شأنا ، بميزان الشرع .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" جاءت الشريعة بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين ، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (20/ 48)
وحيئنذ : فالحكم في المشاركة في مثل هذه المعارض يتبع ما يترتب عليها من المصالح والمفاسد .
فإن كان في هذه المشاركة مصلحة تعريف الناس بالإسلام ، ودعوتهم إليه ، وغلب على الظن منفعة ذلك : فإن المشاركة فيه مشروعة ، من حيث العموم .
ثم يتوقف الكلام على كل شخص بحسب حاله ؛ فإن كان الشخص المعين سريع التأثر بما في هذه الأماكن ، وما حوله من الفتن ، لم يجز له هو أن يشارك ، وقام بهذه المهمة غيره ممن يرجى ثباته في مثل هذه المواقف ، ونفعه فيها .
وإذا أمكن أن يقوم بهذه الوظيفة في الخيام الدعوية بعض المسلمين ، ممن ابتلي بالإقامة في هذه البلاد : كفى غيره السفر إليها ، والتعرض للفتنة ، ولم يجز تعريض من هم في عافية لبلاء السفر إلى هذه البلاد ، حتى ولو كان بغرض الدعوة إلى الله ، ما دام غيره يتمكن من القيام بمهمته .
على أنه من المهم ألا ينفرد أحد المشاركين في هذه الأماكن بنفسه ، ولا أن يخلو فيها وحده ، بل ينبغي أن يكون المشاركون مجموعات متآزرة ، يمكنها التعاون في أداء هذه المهمة ، ولا يتمكن أحدهم من الخلوة بالنساء ، ولا التعامل معهن على انفراد .
فإن غلبت الفتنة في أماكن المعارض ، وغلب على الظن لحوق الفساد والشر بمن يشارك فيها : لم يجز لهم المشاركة في هذه المعارض ، وليجتهدوا في تعويض ما فاتهم من الدعوة إلى الله بوسيلة أخرى أبعد عن الفتنة ، وفي مكان آخر أكثر أمنا .
قال علماء اللجنة :
" إذا كانت المصلحة الشرعية في بقائه في الوسط الذي فشا فيه المنكر أرجح من المفسدة ، ولم يخش على نفسه الفتنة : بقي بين من يرتكبون المنكر ، مع إنكاره حسب درجته ، وإلا هجرهم محافظة على دينه " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12 / 335)
وسئل الشيخ الفوزان حفظه الله :
هناك مجتمعات قائمة على الاختلاط ، فهل على المسلم أن ينأى بنفسه عن هذا المجتمع في حين أنه لا يملك التغيير ؟ كذلك هل يتعامل مع كل وسائل اللهو أم يمنع نفسه أم ماذا يفعل ؟
فأجاب :
" لا شك أن غالب المجتمعات البشرية في العالم الآن تموج بأنواع من الفتن التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وموقف المسلم من هذه الفتن وتلك المستجدات يجب أن يكون موقف المسلم الصحيح . فإذا كان يترتب على اختلاطه بهذه المجتمعات أن يتمكن من أن يغير شيئًا منها ، وأن يدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الصواب ، فهذا أمر مطلوب وهو من مقاصد الدعوة .
أما إذا كان ليس باستطاعته التأثير عليهم ، بل في اختلاطه هذا خطر عليه وعلى ذويه : فعليه أن يهاجر بأن ينتقل إلى بلاد أخرى يمكن فيها ذلك " انتهى .
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (45 / 55-56) .
والنصيحة لمن شارك في مثل هذه المعارض ، أو اضطر إلى البقاء في مثل هذه البلاد أن يتقي الله في نفسه ودينه ، وألا يتوسع في الترخص بمعاملة النساء والفساق ، والحديث معهم ، وأن يكونوا صورة طيبة لحفاظ المسلم على دينه ، في سمته وهديه وسلوكه وأخلاقه .
والله أعلم .
تعليق