الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

في أي إصبع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتمه ؟

السؤال

ما الأصبع الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يضع فيه خاتمه ؟ في حد علمي أرى أنه السبابة فهل هذا صحيح ؟ جزاكم الله خيرا ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

اختلف الفقهاء رحمهم الله في موضع لبس الخاتم ، هل هو اليد اليمنى أم اليسرى ، وذلك على قولين :

القول الأول : اختيار اليسرى ، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة .

جاء في " رد المحتار " (5/230) من كتب الحنفية :

" ( في يده اليسرى ) وينبغي أن يكون في خنصرها دون سائر أصابعه ، ودون اليمنى . عبارة القهستاني عن المحيط : جاز أن يجعله في اليمنى ، إلا أنه شعار الروافض " انتهى باختصار.

وجاء في " حاشية العدوي على كفاية الطالب " (2/360) من كتب المالكية :

" الاختيار عند الجمهور منهم مالك التختم في اليسار على جهة الندب ، وكان مالك يلبسه في يساره " انتهى باختصار.

وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله :

" أجمع أهل السنة على التختم في الشمال ، وهو قول مالك ، وأكره التختم في اليمين ، وقال إنما يأكل ويشرب ويعمل بيمينه فكيف يبدأ أن يأخذ الخاتم بيساره ثم يجعله في يمينه " انتهى.

" المنتقى شرح الموطأ " (7/256)

وجاء في " كشاف القناع " (2/236) من كتب الحنابلة :

" ولبس الخاتم في خنصر يسارٍ أفضل من لبسه في خنصر اليمين ، نص عليه في رواية صالح والفضل ، وأنه أقر وأثبت ، وضعف في رواية الأثرم وغيره التختم في اليمنى .

قال الدارقطني وغيره : المحفوظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يساره " انتهى باختصار.

واستدلوا على ذلك بأدلة عدة :

1-عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصِرِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى ) رواه مسلم (2095).

2-فعل أكثر الصحابة : بل نقله ابن أبي شيبة في " المصنف " بأسانيده (6/68) عن أبي بكر وعمر وعثمان والحسن والحسين وابن عمر والقاسم وسالم وغيرهم من السلف ، أنهم كانوا يتختمون في اليد اليسرى .

3-لبسه في اليسار أسهل لمن أراد أخذه بيمينه ليختم به ، فقد كانت كثير من الخواتيم تلبس لغرض الختم بها ، فكان وضعه في اليد اليسرى أنسب لتحقيق هذا الغرض.

4-اللبس في اليمين مذهب الرافضة ، والمستحب مخالفة أهل البدع.

القول الثاني : اختيار اليمنى ، وهو مذهب الشافعية .

يقول الإمام النووي رحمه الله :

" الصحيح المشهور أنه في اليمين أفضل ؛ لأنه زينة ، واليمين أشرف " انتهى.

" المجموع " (4/462)

واستدلوا على ذلك بأدلة عدة :

1- عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْطَنَعَ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ ، فَاصْطَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ ، فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ : إِنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ ، وَإِنِّي لاَ أَلْبَسُهُ ، فَنَبَذَهُ فَنَبَذَ النَّاسُ . قَالَ جُوَيْرِيَةُ : وَلاَ أَحْسِبُهُ إِلاَّ قَالَ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى . رواه البخاري (5876)، وفي رواية عند مسلم أيضا (2091) فيها التصريح باليمين أيضا .

2- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه :

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ ) رواه مسلم (2094)

3- عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ ) رواه أحمد في " المسند " (3/265) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة. وقال فيه الإمام البخاري : " هذا أصح شيء روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب " انتهى. " سنن الترمذي " (رقم/1744) .

4- وقال الترمذي : " وفي الباب عن علي ، وجابر ، وعبد الله بن جعفر ، وابن عباس ، وعائشة ، وأنس . حديث ابن عمر حديث حسن صحيح " انتهى.

5- واستدلوا ـ أيضا ـ بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ( يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ ) رواه البخاري (168)، والتختم من الزينة التي يستحب التيامن بها .

وأجابوا عن أدلة القول الأول بأن الأحاديث الواردة في إثبات لبس النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم في اليد اليمين أصح وأكثر ، فينبغي ترجيحها على غيرها .

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" في اليمين أفضل لأنه الأكثر في الأحاديث " انتهى.

" تحفة المحتاج " (3/276)

كما أجاب الإمام النووي رحمه الله على استدلالهم بكون اللبس في اليمين من شعار الروافض بقوله رحمه الله :

" ليس هو في معظم البلدان شعارا لهم ، ولو كان شعارا لما تركت اليمين ، وكيف تترك السنن لكون طائفة مبتدعة تفعلها " انتهى.

" المجموع " (4/462)

وأما استدلال الجمهور بتختم بعض الصحابة في اليد اليسرى فيجاب عنه بأنه قد ورد عن صحابة آخرين التختم باليمين ، كما أسنده ابن أبي شيبة في " المصنف " (6/65) عن ابن عباس ، وجعفر بن محمد ، وعبد الله بن جعفر ، بل قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" جاء عن أبي بكر وعمر وجمع جم من الصحابة والتابعين بعدهم من أهل المدينة وغيرهم التختم في اليمنى " انتهى.

" فتح الباري " (10/372)

وقد ذهب بعض العلماء إلى مشروعية الأمرين جميعا : التختم في اليمين وفي اليسار ، وذلك عملا بجميع الأحاديث الواردة .

قال ابن القيم رحمه الله :

" واختلفت الأحاديث هل كان في يمناه أو يُسراه، وكلها صحيحة السند " انتهى .

"زاد المعاد" (1/139) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" والصحيح أنه سنة في اليمين واليسار " انتهى.

" الشرح الممتع " (6/110)

ثانيا :

أما تحديد الأصبع الذي يستحب لبس الخاتم فيه فهو " الخنصر " كما ورد في السنة النبوية .

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

( صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا ، قَالَ : إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا ، فَلَا يَنْقُشَنَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ . قَالَ : فَإِنِّي لَأَرَى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ )

رواه البخاري (5874)، وبوب عليه بقوله : باب الخاتم في الخنصر .

بل ورد النهي عن لبسه في الوسطى والسبابة ، كما في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتختم في أصبعي هذه أو هذه قال : فأومأ إلى الوسطى والتي تليها ) رواه مسلم ( 2078 ) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب