الحمد لله.
لا يجهل أحدٌ أن السرقة من كبائر الذنوب ، وقد جعل الله تعالى حدَّها قطع اليد ، ولم تفرق الشريعة بين مال الذكر ومال الأنثى ، ولا بين مال الصغير ومال الكبير ، ولا بين مال المسلم ومال الكافر ، ولم تستثن الشريعة إلا أموال الكفار المحاربين للمسلمين .
والواجب على المسلم أن يكون مثالاً حسناً للأمانة والوفاء بالعهد وحسن الأخلاق ، وقد كان اتصاف المسلمين بهذه الصفات سبباً لدخول الكثير من الكفار في الإسلام لمّا رأوا محاسن الإسلام وحسن خلق أهله .
وإن المسلم الذي يستحل مال الكفار سواء كان في بلاد المسلمين أم في بلادهم ليقدِّم للكفار خدمة جليلة لتشويه الإسلام والمسلمين ، وهو يعين بذلك أصحاب الحملات التي تطعن في الإسلام .
والمسلم إذا دخل بلاد الكفار فإنه يدخلها بعهد وأمان – وهي التأشيرة التي تعطى له لتمكنه من دخول بلادهم – فإذا أخذ أموالهم بغير حق فإنه يكون بذلك ناقضاً للعهد فضلاً عن كونه من السارقين .
والمال الذي سرقه منهم محرم فعن المغيرة بن شعبة أنه كان قد صحب قوماً في الجاهلية ، فقتلهم وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما الإسلام أقبلُ ، وأما المال فلستُ منه في شيء " ، ورواية أبي داود : " أما الإسلام فقد قبلنا ، وأما المال فإنه مال غدرٍ لا حاجة لنا فيه ".
رواه البخاري ( 2583 ) وأبو داود ( 2765 ) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ( 2403 )
قال الحافظ ابن حجر :
قولـه " وأما المال فلستُ منه في شيءٍ " أي : لا أتعرض له لكونه أخذه غدراً ، ويستفاد منه : أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدراً ؛ لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة ، والأمانة تؤدَّى إلى أهلها مسلِماً كان أو كافراً ، وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة ، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك المال في يده لإمكان أن يسلم قومه فيرد إليهم أموالهم .
" فتح الباري " ( 5 / 341 ) .
قال الشافعي - رحمه الله - : وإذا دخل رجل مسلم دار الحرب بأمان .. وقدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئاً قلّ أو كثر؛ لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله، ولأنه لا يحل له في أمانهم إلا ما يحل له من أموال المسلمين، وأهل الذمة ، لأن المال ممنوع بوجوه :
أولها إسلام صاحبه .
والثاني مال من له ذمة .
والثالث مال من له أمان إلى مدة أمانه وهو كأهل الذمة فيما يمنع من ماله إلى تلك المدة .
" الأم " ( 4 / 284 ) .
وقال السرخسي – رحمه الله - : أكره للمسلم المستأمِن إليهم في دينه أن يغدر بهم لأن الغدر حرام، قال صلى الله عليه وسلم : " لكل غادر لواء يركز عند باب أسته يوم القيامة يعرف به غدرته "، فإن غدر بهم وأخذ مالهم وأخرجه إلى دار الإسلام كرهت للمسلم شراءه منه إذا علم ذلك لأنه حصله بكسب خبيث ، وفي الشراء منه إغراء له على مثل هذا السبب وهو مكروه للمسلم ، والأصل فيه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين قتل أصحابه وجاء بمالهم إلى المدينة فأسلم ، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخمس ماله ، فقال : " أما إسلامك فمقبول ، وأما مالك فمال غدر فلا حاجة لنا فيه " .
" المبسوط " ( 10 / 96 ) .
والله أعلم.
تعليق