الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1446 - 26 نوفمبر 2024
العربية

التعليق على حديث خدمة الصحابية لضيوف زوجها

144883

تاريخ النشر : 22-12-2009

المشاهدات : 51931

السؤال

هل يجوز للمرأة أن تخدم ضيوفها من الرجال في حضور زوجها كما فعلت أم المؤمنين ؟ .

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

ليس ثمة شيء ثابت عن أحد من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن في خدمة الضيوف من الرجال ، والذي يظهر أن الأخ السائل يريد ما ثبت عن الصحابية أم أُسيْد الساعدي رضي الله عنها ، ونحن نذكر نص الحديث ، ثم نتبعه بما يتيسر من فقهه ومعناه:

عَنْ سَهْلٍ قَالَ : لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ بَلَّتْ تَمَرَاتٍ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ لَهُ فَسَقَتْهُ تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ .

رواه البخاري ( 4887 ) ومسلم ( 2006 ) .

وبوَّب عليه البخاري بقوله : باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس .

ثانياً:

وأما فقه الحديث فهو محتمل لأمرين :

الأول : أن تكون تلك الحادثة قد وقعت قبل إيجاب الحجاب على النساء ، وهو ما رجحه الإمام النووي رحمه الله ، حيث قال :

هذا محمول على أنه كان قبل الحجاب ، ويَبعد حمله على أنها كانت مستورة البشرة .

" شرح مسلم " ( 13 / 177 ) .

وقال العيني رحمه الله : " وكان ذلك قبل نزول الحجاب" وينظر تفسير القرطبي (9/68) .

الثاني : أن تكون تلك الحادثة بعد إيجاب الحجاب لكنها حصلت مع الستر الكامل للمرأة ، والحاجة لخدمة ضيوف زوجها ، وأمن الفتنة ، وهو ما رجحه الحافظ ابن حجر رحمه الله ، حيث قال :

وفي الحديث : جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه ، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ، ومراعاة ما يجب عليها من الستر .

" فتح الباري " ( 9 / 251 ) .

ولا شك أن ضيوفاً كراماً من الصحابة الأجلاء الأطهار ، ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يستدل به على ما نراه ونسمعه من أحوال مزرية في بيوت كثير من الناس ممن ابتعد عن الالتزام بضوابط الشرع ، فالمرأة تجلس مع ضيوف زوجها ، ويتبادلون الأحاديث ، والنظرات ، والابتسامات ، بل وتعلو الضحكات ، مع مشاهدة للتلفاز ، وشرب للدخان ، مع التبرج والسفور ، وغير ذلك من المنكرات، ومَن جَعَلَ الحديثَ السابق حجة في مثل تلك المشاهد المنكرة فهو من الظالمين ، وممن طمس الله على بصيرته ، ولا يمكن تخيل جلوس تلك الصحابية الطاهرة – وهي عروس – مع طائفة من الرجال تأكل معهم ، وتجلس بينهم ، ولا يرضى هذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا الصحابة الضيوف ، فضلاً عنها ، أو عن زوجها ، فليس في الحديث أكثر من تقديم الطعام ، والقيام على خدمة ضيوف زوجها ، وهو ليس أمراً منكراً إذا التزمت فيه الضوابط الشرعية ، وهذا في حال وُجدت الحاجة لذلك ، أما ويوجد قدرة عند الرجل لخدمة ضيوفه بنفسه ، أو يوجد لديه أبناء يفعلون ذلك : فإن الحاجة لخدمة الزوجة لضيوف زوجها تنتفي ، ولذا لا نشك أن القول بالتحريم والمنع هو الأليق بأحكام الشرع ، والأطهر لقلوب الناس ، والأقطع لدابر الفتن بين الجنسين .

سئل علماء اللجنة الدائمة :

هناك بعض الشباب الملتزمين بالإسلام ، والحريصين على التمسك به ، والغيورين عليه ، تعرض عليهم بعض الشبهات ، وخاصة في قضية المرأة مثل :

أ. يرون أنه لا مانع من دخول المرأة على ضيوف زوجها ، مع وجوده ، وتقديم الشاي وغيره للضيوف ، والجلوس معهم ، ويحتجون لذلك بحديث رواه البخاري عن سهل رضي الله عنه ... – وذكره - ويحتجون كذلك بما ذكره البخاري " باب : قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس ) ... .

فأجابوا :

أ. يجب على المسلم إذا بحث عن حكم مسألة إسلامية : أن ينظر فيما يتصل بهذه المسألة من نصوص الكتاب والسنَّة ، وما يتبع ذلك من الأدلة الشرعية ، فهذا أقوم سبيلاً ، وأهدى إلى إصابة الحق ، ولا يقتصر في بحثها على جانب من أدلتها دون آخر ، وإلا كان نظره ناقصاً ، وكان شبيها بأهل الزيغ والهوى ، الذين يتبعون ما تشابه من النصوص ابتغاء الفتنة ، ورغبة في تأويلها على مقتضى الهوى ، ففي مثل هذا الموضوع يجب أن ينظر إلى نصوص الكتاب والسنَّة في وجوب ستر المرأة عورتها ، وفي تحريم النظرة الخائنة ، وفي مقصد الشريعة من وجوب المحافظة على الأعراض والأنساب ، وتحريم انتهاكها والاعتداء عليها ، وتحريم الوسائل المفضية إلى ذلك من خلوة امرأة بغير زوجها ومحارمها ، وكشف عورتها وسفرها بلا محرم ، واختلاط مريب ، وإفضاء الرجل إلى الرجل والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد ، وإلى أمثال ذلك مما قد ينتهي إلى ارتكاب جريمة الفاحشة .

وإذا نظر إلى مجموع ما ذُكر : لزمه أن يحمل ما جاء في حديث سهل في إعداد امرأة أبي أسيد الطعام والشراب لضيوفه وتقديمه لهم : على أنها كانت متسترة ، وأن الفتنة مأمونة ، ولم تحصل خلوة ولا اختلاط ، إنما كان منها مجرد إعداد وتهيئة شراب ، وتقديمه لضيوف زوجها دون جلوسها معهم ، إذ ليس في الحديث ما يدل على جلوسها معهم كما ذكر في السؤال .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 17 / 81 – 85 ) باختصار ، وننصح بالنظر في كامل الفتوى .

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

بارك الله فيكم هل يجوز للمرأة أن تخدم ضيوف زوجها من الرجال بحضور زوجها ؟ وهل تجلس معهم كاشفةً للوجه إذا أمنت الفتنة ؟ .

فأجاب :

لا يجوز ذلك ، أي : لا يجوز للمرأة أن تخدم الرجال مباشرةً ، ولو بحضور زوجها ، أو محرمها ؛ لأن هذا يؤدي إلى الفتنة بلا شك ، ولا يجوز لها أن تكشف وجهها وإن لم تباشر الخدمة مثل : أن تأتي بالطعام أو بالقهوة تسلمها لزوجها أو وليها وتنصرف وهي في هذه الحال كاشفةٌ وجهها فإن ذلك حرامٌ ولا يجوز ؛ لأن كشف المرأة وجهها للرجال الأجانب محرم كما دلت على ذلك آياتٌ من القرآن وأحاديثٌ من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

" فتاوى نور على الدرب " ( شريط 199 ، وجه أ ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب