الحمد لله.
أولاً:
يعيش الغرب حالة من الضياع النفسي والخواء الروحي في كثير من أفراده ، ومن غير الغريب على من يعيش على تلك الشاكلة أن يبتدع كل يوم ما يظن أنه يملأ خواءه الروحي وأنه يعالج به ضياعه النفسي ، فليس ثمة دين رباني يتمسكون به ، وليس ثمة أخلاق فاضلة يتخلقون بها ، فتفككت أسرهم ، وضاع شبابهم ، وانحرفت نساؤهم ، حتى صار " الكلب " أوفى للأسرة من أولادها ! وحتى غدا الشذوذ الجنسي مسيطراً على أذهانهم وتفكيرهم ، فانتشر اللواط والسحاق في مجتمعاتهم ، وصنعوا الدمية الجنسية ليفرغوا شهواتهم فيها ، وبكل حال فإن من يطلع عن كثب على أحوال الأسر والأفراد والمجتمعات يجزم أنهم بلغوا الحضيض ، وأنهم يعيشون بلا هدف سامٍ ، ويقضون على ساعات حياتهم بكل حلال وحرام حتى ينتهي بهم الأمر إلى حفرة يُدفنون فيها .
وليس ذلك بعجيب ممن تخلى عن دينه ورضي باللادينية ، أو بدين محرَّف قائم على تأليه البشر ، لكن العجيب أن نرى أناسا من المسلمين يرضون بذلك ، ويتخذون أولئك السقاط والدعار قدوة لهم ، يسيرون على نهجهم حذو القذة بالقذة ، فما أعظم كفران هؤلاء لنعمة الله تعالى عليهم بالإسلام ، والله المستعان .
ثانياً:
برنامج " الحياة الثانية " لا يخرج في هدف إنشائه عما قلناه سابقاً ، والمراد منه ـ ابتداءً ـ التحلل من القيود الدينية والأخلاقية وحتى القانونية ، ولذا جعلوا شعاره " العالَم عالمك ، والخيال خيالك " ! فيدخل فيه المشترك باسم مستعار ، ويفعل ما يحلو له من المعاصي والموبقات ، وتضييع عمره في الإدمان على الخيال والأوهام .
والذي نجزم به – بعد الاطلاع على الموقع وعلى كثير مما كتب فيه وعنه - : أنه لا يجوز لأحد من المسلمين أن يشترك فيه ؛ لما يحتويه على مفاسد كثيرة ، ومنها :
1. تضييع العمر في عالم الوهم والخيال ، ويقتل المشترك في ذلك البرنامج بين 4 إلى 10 ساعات يوميّاً ! ولك أن تتفكر في حال ذلك الواهم الذي قتل تلك الساعات من عمره كل يوم كيف سيكون مسلماً جادّاً في حياته الحقيقية ، وكيف سيؤدي واجباته الشرعية ، وكيف سينجح في تكوين أسرة ونشر الفضيلة والخير في حياته الواقعية .
2. ومن أعظم المفاسد في ذلك البرنامج السيء ما يحتويه على أماكن العهر والفساد كأماكن الرقص ، وبيوت الدعارة ، وممارسة الرذيلة ، بشراء مجسمات للأعضاء الجنسية ليمارس بها تلك الفاحشة ! وشراء المرأة الثياب الشفافة والمثيرة لإغراء الزبائن بفعل الفاحشة ، ومن هنا اتجهت صرخات العقلاء حتى في العالم الغربي لمحاربة هذا الفساد في ذلك البرنامج ؛ لوقوع كثير من الأطفال في قبضة مافيا الجنس ، إما لإثارتهم في فعل الفاحشة ، أو اصطياد أولئك الأطفال في شبكات دعارة في واقعهم الحقيقي .
وقد قالت تلك الجهات الأمنية والاجتماعية والنفسية : إن العالم الافتراضي الذي سيعيشه الطفل في ذلك البرنامج يمكن له نقله إلى عالم الواقع ، إذا ما اعتاد على تلك المشاهد وتلك الممارسة ، وللمؤسسات البريطانية والألمانية صرخات تحذير من هذا البرنامج وأثره السيء على الأطفال ، ولعلَّ هذا أن يخرس تلك الألسنة التي تسخر من علماء المسلمين الذين يحذرون من الآثار السيئة للبرامج والألعاب الحديثة , وأنهم ضد الجديد ، وأن هذه البرامج والألعاب فيها الخير والشر ، وإنما يقول هذا من لا يعرف آثار تلك البرامج .
ولينظر جواب السؤال رقم ( 115149 ) ففيه الكلام عن الرسوم المتحركة الجنسية ، حقيقتها ، خطرها ، حكمها .
3. في البرنامج مجال واسع للمحادثة مع النساء وتكوين العلاقات المحرمة .
وقد بيَّنا حكم المراسلة والمحادثة بين الجنسين في فتاوى متعددة ، فانظروا أجوبة الأسئلة : ( 78375 ) و ( 34841 ) و ( 23349 ) و ( 20949 ) ، ( 26890 ) ، ( 82702 ) .
4. في البرنامج صرف للمسلم عن حياته الواقعية ، وتفريط في واجباته الملقاة على عاتقه ، من كسب ، وبر والدين ، وتربية أولاد ، وطلب علم ، ودعوة إلى الله .
5. في البرنامج أثر على العقيدة من جهات كثيرة ابتدا من " اسم البرنامج " ، فالحياة الثانية في الإسلام هي الحياة البرزخية ، وهي ما سيعيشه المسلم من الفترة من بعد الموت إلى قيام الساعة ، وهناك يكون إما منعماً أو معذَّباً ، أو " الحياة الآخرة " يوم القيامة ، فإما نعيم مقيم ، وإما عذاب أليم . وجاء هذا البرنامج السخيف ليعرض " الحياة الثانية " بتصورات صانعيه ، فتُصرف الأذهان والعقول والأبدان للعيش داخل ذلك العالم الافتراضي في تلك الحياة الثانية ، فيضيِّع المسلم بذلك حياته الدنيوية الأولى ، والثانية ، بل والثالثة وهي الحياة في الجنة .
وفي البرنامج دعوة للأديان والمذاهب الباطلة ، ففيه الكنائس ، والمعابد ، وأوكار الماسونية ، وهو باب فتنة قد يقع فيه ذلك الواهم الذي يعيش في عالمه الخيالي ، فيصير حقيقة في عالمه الواقعي .
6. وكل من قال إنه لا أثر للدخول في تلك الحياة الخيالية على واقع حياة الداخل فهو جاحد للحقيقة ، وهذا من أخطر ما في البرنامج – وقد سبقت الإشارة إليه – وهو أن يترجم ذلك المشترك حياته الثانية الخيالية لواقع عملي في حياته الدنيوية الأولى ، إن ذلك " اللعب " هو تهيئة وتدريب على ممارسة ذلك عمليا ، وحينما تشتعل شهوته ، لما يراه ويفعله في هذا البرنامج ؛ فلا بد له من تصريف ذلك ، أيا كان ذلك المصرف ، من حلال أو حرام ، من زنا أو غيره من القاذورات . وقل مثل ذلك في لعب " القمار " ، والذهاب إلى الشواطئ التي تكشف فيها العورات ، وغير ذلك من المحرمات .
7. يمكن لهذا البرنامج أن يسبب أمراضاً نفسية للمشترك فيه ؛ فإنه في " الحياة الثانية " حر طليق ، يلبس ما يشاء ، يصاحب من يشاء ، يفعل ما يشاء ، بل يطير إلى أين شاء ، ثم إذا انتهى من البرنامج رجع لحياته الواقعية فاصطدم بالحقيقة وأن عليه واجبات ، وأنه مقيَّد بدين أو بخلق أو بعادات أو بقانون ، وأن ما كان يفعله في تلك الحياة لن يستطيعه في حياته الواقعية ، فهو هناك متزوج وهنا أعزب ، وهو هناك آمر وهنا مأمور ، وهو هناك يطير وهنا ليس عنده سيارة ، وهكذا سيصطدم بالواقع مما قد يسبب له انفصاماً في الشخصية ، وأمراضاً نفسية قد تؤثر في بدنه فتصبح معها أمراضاً عضوية ، أو قد يقوده ذلك إلى الانتحار ، ولعله من أجل ذلك أنشأت " جامعة كاليفورنيا " مقرّاً لها في برنامج " الحياة الثانية " من أجل دراسة مرض " انفصام الشخصية " ! .
وعليه :
فالذي نراه أنه لا يجوز لعامة المسلمين الاشتراك في ذلك البرنامج ، ولا الدخول في عالمه ، وإذا كان ثمة من يزعم أننا بحاجة لمن يعرِّف أولئك بالإسلام : فنقول له : إن ذلك التعريف والتعليم يكون لأهل العلم والمعرفة ، وليس من قبل فرد واحد بل من مجموعة ، والذي نعلمه أنه يوجد من يقوم بهذه المهمة هناك ، فلا داعي لجعل ذلك ذريعة لدخول عامة المسلمين للدعوة إلى الله ، وليلتفتوا إلى حياتهم الأولى الحقيقية ، وليدْعوا أهليهم وجيرانهم وأقرباءهم ، وليهتموا بأولادهم ، وليدَعوا الأشخاص الافتراضيين لمن يعرف حالهم ، ويعرف كيف يدعوهم ، فالمنع للعامة هو المتعين ، ولا نستطيع إجراء الحكم على دعاة مجتهدين ، أو مواقع إسلامية ، تخوض غمار تلك التجربة ، وتقوم بالدعوة وتعريف الناس بدين الإسلام .
والله أعلم
تعليق