الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

لا حرج في دعاء اللهم تقبل منا صالح الأعمال

السؤال

سمعت شيخا يقول : إنه لا يجوز قول : " اللهم تقبل منا صالح الأعمال "؛ لأن ذلك معناه أن الله تعالى يمكن أن يقبل الخبيث من الأعمال ، والله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيبا ، والأصح أن نقول " اللهم تقبل منا أعمالنا " فهل هذا صحيح ؟

الجواب

الحمد لله.

لا حرج في الدعاء بقول : " اللهم تقبل منا صالح الأعمال "، وليس فيه أي محذور شرعي ، بل منطوق هذا الدعاء ومفهومه صحيح مقبول ؛ لأن الله عز وجل يتقبل " صالح الأعمال "، ولا يتقبل سيء الأعمال .

يقول الله عز وجل : ( لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ )

ويقول سبحانه : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا )

قال العلامة السعدي رحمه الله :

" المراد بـ ( أحسن ما عملوا ) : أعمالهم الحسنة الصالحة ؛ لأنها أحسن ما عملوا ، لأنهم يعملون المباحات وغيرها ، فالثواب لا يكون إلا على العمل الحسن ، كقوله تعالى : ( لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .

" تفسير السعدي " (ص/569)

ثم إن الذي يسأل الله أن يتقبل منه " صالح الأعمال " ، لا يخطر في باله أنه يسأل الله أيضا أن لا يتقبل منه سيء الأعمال ، وإنما يأتي بكلمة " صالح " لبيان سبب القبول ، وهو صلاح العمل ، وهذا أسلوب صحيح في اللغة ، ويسميه علماء الدلالات اللغوية بالوصف الكاشف ، ويمثلون له بقول الله تعالى : ( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ) المؤمنون/117.

يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

" لا خلاف بين أهل العلم أن قوله هنا : ( لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ) لا مفهوم مخالفة له ، فلا يصح لأحد أن يقول : أما من عبد معه إلهاً آخر له برهان به فلا مانع من ذلك ، لاستحالة وجود برهان على عبادة إله آخر معه ، بل البراهين القطعية المتواترة دالة على أنه هو المعبود وحده جل وعلا ، ولا يمكن أن يوجد دليل على عبادة غيره ألبتة .

وقد تقرر في فن الأصول أن : مِن موانع اعتبار مفهوم المخالفة ، كون تخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع ، فَيَرِدُ النص ذاكراً للوصف الموافق للواقع ، ليطبق عليه الحكم ، فتخصيصه بالذكر إذاً ليس لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق ، بل لتخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع .

ومن أمثلته في القرآن هذه الآية ؛ لأن قوله : ( لاَ بُرْهَانَ لَهُ ) وصف مطابق للواقع ، لأنهم يدعون معه غيره بلا برهان ، فذكر الوصف لموافقته الواقع ، لا لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق .

ومن أمثلته في القرآن أيضاً قوله تعالى : ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) لأنه نزل في قوم والوا اليهود دون المؤمنين ، فقوله ( مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) ذكر لموافقته للواقع ؛ لا لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق ؛ ومعلوم أن اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء ممنوع على كل حال " انتهى.

" أضواء البيان " (5/364)

والحاصل أنه لا يحل لأحد أن يتكلم في دين الله عز وجل بغير علم ولا بصيرة ، فيتكلف في كلامه ما لا علم له به ، ويثير بين المسلمين ما لا يقره عالم بالشريعة ، بل الواجب الوقوف عند الكتاب والسنة ، وتعليم الناس محكمات الدين ، وترك ما سوى ذلك للعلماء المتخصصين.

وما زال العلماء يستعملون هذا الدعاء في كتبهم وخطبهم ، ومن ذلك خطبة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول فيها :

" نسألك اللهم تقبل منا صالح أعمالنا، وأن تكفر عنا سيئات أعمالنا " انتهى.

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب