الحمد لله.
لا شك أن العناية بالمقابر والمحافظة عليها لحرمة أهلها من الأمور المشروعة ، ولكن بالقدر الذي يصونها ، وتحصل العناية به ، دون أن يتعدى ذلك إلى مخالفة شرعية من نحو تعظيمها وتزيينها وإنفاق مال في غير وجهه ، لبناء أو تجصيص أو دهان ونحو ذلك .
والمشروع إبقاء القبور على حالها ؛ لأنه بذلك تحصل التذكرة عند زيارتها ، وتنتفي أسباب تعظيمها والمغالاة فيها وفي أصحابها .
ولا بأس بحمايتها بسور يحيط بها ، كما أنه لا بأس بإنارته ، وعمل اللازم لتنظيف المقابر ، وعمل ممرات بينها ، دون أن يدعو ذلك إلى إسراف في الأموال وإنفاق بغير حق ، ودون مغالاة ، فتُهيأ الممرات بين القبور بلا رصف ، ولا تستخدم الأنوار فيها إلا لحاجة الدفن وقت اللزوم ، ويُنهى القائمون عليها عن تشجيرها وتزيينها والعناية بها فوق القدر المطلوب لمصلحة الدفن والحفاظ عليها من العبث والإهمال .
كل ذلك صونا لجناب التوحيد ، وسدا لذريعة الشرك ، ومراعاة لحرمة موتى المسلمين ، وحفاظا على هيئة المقابر التي بها تحصل الموعظة ويحصل التذكير الذي شرعت زيارتها من أجله .
قال الشوكاني رحمه الله في "الدراري المضية" (2 / 301) :
" الوقف على القبور إن كان لرفعها أو تزيينها فلا شك في بطلانه ، وأشد من ذلك ما يجلب الفتنة على زائرها كوضع الستور الفائقة والأحجار النفيسة ونحو ذلك ؛ فإن هذا مما يوجب أن يعظم صاحب ذلك القبر في صدر زائره من العوام فيعتقد فيه ما لا يجوز " . انتهى .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
" بناء ما قد تهدم من سور المقبرة من الجهات المؤدية إلى أطرافها ، مع عمل الأبواب اللازمة لحجرها ، وإقامة حارس للمراقبة ، وإتمام ما يجب نحو تنظيفها ، وعمل ممر بين المقابر ، فكل ذلك لا باس به .
أما تشجير المقبرة فهو لا يجوز ، وفيه تشبه بعمل النصارى الذين يجعلون مقابرهم أشبه ما تكون بالحدائق ، فيجب إزالتها ، وإزالة صنابير الماء التي وضعت لسقيها ، ويبقى من الصنابير ما يحتاج إليه للشرب وتليين التربة .
وأما إضاءة المقبرة فيخشى أن يجر ذلك إلى إسراج القبور الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله ، ولا سيما ونفوس الجهال تتعلق كثيراً بالخرافات ، فتزال هذه الأنوار سداً للذريعة " انتهى .
"فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم" (3 / 161)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
"على كل من له قدرة أن يساهم في إزالة هذه الأبنية والقباب والمساجد التي بنيت على القبور ، وأن تبقى القبور مكشوفة مثل القبور في البقيع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهدنا الآن في المدينة ، القبور مكشوفة ليس عليها بناء لا مسجد ولا حجرة ولا قبة ولا غير ذلك ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور واتخاذ مساجد عليها وتجصيصها ؛ لأن هذا وسيلة إلى أن يغلى فيها وإلى أن تعبد مع الله .
وهكذا لا يهدى إليها نقودا ولا ذبائح ولا ملابس ، ولا يوضع لها سدنة ، ولكن تسور القبور ، فإذا سورت أطراف المقبرة كلها بسور ، حتى لا تمتهن ، وحتى لا تتخذ طرقا للدواب : فلا بأس " انتهى ملخصا من "فتاوى نور على الدرب" (1 / 271-272)
وسئل رحمه الله :
هل يجوز إضاءة المقابر والطرق التي بين القبور ؟ .
فأجاب : " إذا كان لمصلحة الناس عند الدفن ، أو كان في السور فلا بأس ، أما وضع السرج والأنوار على القبور فلا يجوز ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج . وإذا كانت الإضاءة في الشارع الذي يمر بقربها فلا بأس ، وإذا وضع لمبة عند الحاجة تضيء لهم عند الدفن ، أو أتوا بسراج معهم لهذا الغرض : فلا بأس " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (13 / 244-245)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" المقبرة دور الأموات ، ليست دوراً للأحياء حتى تزين وتشيد ويصب عليها الإسمنت ويكتب عليها الكلمات الرثائية والتأبينية ، وإنما هي دار أموات يجب أن تبقى على ما هي عليه حتى يتعظ بها من يمر بها ، وقد ثبت في الصحيح من حديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ) .
وإذا فتحنا الباب للناس ليقوموا بتزيين القبور وتشييدها والكتابة عليها صارت المقابر محلاً للمباهاة ، ولم تكن موضع اعتبارٍ للأحياء ، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه وأن يجلس عليه ، فنهى صلى الله عليه وسلم عن الأمور التي يكون فيها المغالاة في القبور من البناء والكتابة ونحوها ، وعن الأمور التي فيها الإهانة للقبور وأصحابها ، فنهى عن الجلوس على القبر " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (196 / 34)
وينظر إجابة السؤال رقم (126400) لبيان العناية الجائزة بالقبور والعناية المحرمة .
والله أعلم .
تعليق