الحمد لله.
أولاً :
دلت النصوص الشرعية على وجوب التصدق بشيء من الهدي والأضحية ، وإن قلَّ هذا الشيء ، قال تعالى : ( فَكُلُوا مِنْهَا ، وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ، كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .
القانع : هو الفقير الذي لا يسأل تقنعاً وتعففاً .
والمعتر : هو الفقير الذي يسأل .
فلهؤلاء الفقراء حقٌّ في الهدي ، " وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَارِدًا فِي الْهَدْيِ ، إِلاَّ أَنَّ الْهَدْيَ وَالأُضْحِيَّةَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ " انتهى من " الموسوعة الفقهية " (6/115) .
وقال صلى الله عليه وسلم في الأضاحي : ( فَكُلُوا ، وَادَّخِرُوا ، وَتَصَدَّقُوا ) رواه مسلم (1971) .
والقول بوجوب التصدق بشيء منها هو مذهب الشافعية والحنابلة ، وهو الصحيح ، لظاهر النصوص الشرعية .
قال النووي رحمه الله :
" يجب التصدق بقدرٍ ينطلق عليه الاسم ؛ لأن المقصود إرفاق المساكين ، فعلى هذا : إن أكل الجميع ، لزمه ضمان ما ينطلق عليه الاسم " انتهى من " روضة الطالبين وعمدة المفتين " (3/223) .
وقال المرداوي رحمه الله :
" وَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا ، ضَمِنَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّدَقَةِ مِنْهَا " انتهى من " الإنصاف " (6/491) .
وقال البهوتي رحمه الله :
" فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ نِيءٍ مِنْهَا ، ضَمِنَ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، كَالْأُوقِيَّةِ " انتهى من " كشاف القناع " (7/444) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين : عمن يقوم بطبخ كامل الأضاحي مع أقاربه بدون التصدق منها هل عملهم صحيح ؟
فأجاب رحمه الله بقوله :
" هذا خطأ ؛ لأن الله تعالى قال : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ) .
وعلى هذا : يلزمهم الآن أن يضمنوا ما أكلوه ، عن كل شاة شيئًا من اللحم ، يشترونه ويتصدقون به " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (25/132) .
ثانياً :
في وجوب الأكل من الأضحية خلاف بين العلماء ، وجمهور العلماء على أن الأكل منها مستحب وليس بواجب ، وهو مذهب الأئمة الأربعة .
وذهب بعض العلماء إلى وجوب الأكل منها ولو شيئاً يسيراً ؛ لظاهر النصوص الشرعية الآمرة بالأكل منها .
قال النووي رحمه الله :
" وَأَمَّا الْأَكْل مِنْهَا فَيُسْتَحَبّ وَلَا يَجِب , هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة , إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْض السَّلَف أَنَّهُ أَوْجَبَ الْأَكْل مِنْهَا ... لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث فِي الْأَمْر بِالْأَكْلِ ، مَعَ قَوْله تَعَالَى : ( فَكُلُوا مِنْهَا ) ، وَحَمَلَ الْجُمْهُور هَذَا الْأَمْر عَلَى النَّدْب أَوْ الْإِبَاحَة ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ بَعْد الْحَظْر " انتهى من " شرح صحيح مسلم " (13/131) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" فَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا ، أَوْ بِأَكْثَرِهَا ، جَازَ " انتهى من " المغني " (13/380) .
وينظر جواب السؤال (146159) .
ثالثاً :
أما العقيقة ، فلم يرد في النصوص الشرعية ما يدل على كيفية توزيعها ، ولا على وجوب الأكل منها ، أو التصدق بها .
ولذلك فللإنسان أن يفعل بها ما يشاء ، إن شاء تصدق بها كلها ، وإن شاء أكلها كلها ، والأفضل أن يفعل فيها كما يفعل بالأضحية .
وقد سئل الإمام أحمد عَن الْعَقِيقَة ، كَيفَ يصنع بهَا ؟
" قَالَ : كَيفَ شِئْت ، وَكَانَ ابْن سِيرِين يَقُول : اصْنَع مَا شِئْت " انتهى من " تحفة المودود بأحكام المولود " (ص 55) .
وينظر جواب السؤال : (8423) ، (90029) .
رابعاً :
الحكم السابق من حيث وجوب التصدق بجزء من الأضحية ، أو استحباب الأكل منها أو وجوبه ، ينطبق على كلِّ شاة بمفردها .
فلو ذبح عشر شياه : لزمه التصدق من كل واحدة بجزء ، واستحب له أن يأكل من كل شاة جزءً .
ولا يجزيه أن يتصدق بشاةٍ كاملةٍ من هذه الشياه عن الجميع ؛ لأن كل شاة أضحية مستقلة عن الأخرى .
ولهذا لما نحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه ، أمر أن يجمع في القدر من كل ناقة جزء .
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : " ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ [ أي ما تبقى ] ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ ، فَطُبِخَتْ ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا ، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا... " رواه مسلم (1218) .
فهذا يدل على أن لكل ذبيحة حكماً مستقلاً ، ولهذا أمر بجمع جزء من كل بدنة .
قال النووي رحمه الله :
" الْبَضْعَة : هِيَ الْقِطْعَة مِنْ اللَّحْم , وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الْأَكْل مِنْ هَدْي التَّطَوُّع وَأُضْحِيَّته .
قَالَ الْعُلَمَاء : لَمَّا كَانَ الْأَكْل مِنْ كُلّ وَاحِدَة سُنَّة , وَفِي الْأَكْل مِنْ كُلّ وَاحِدَة مِنْ الْمِائَة مُنْفَرِدَة كُلْفَة ، جُعِلَتْ فِي قِدْر ؛ لِيَكُونَ آكِلًا مِنْ مَرَق الْجَمِيع الَّذِي فِيهِ جُزْء مِنْ كُلّ وَاحِدَة " انتهى من " شرح صحيح مسلم " (8/192) .
وقال رحمه الله – أيضاً - :
" إنما أخذ بضعة من كل بدنة ، وشرب من مرقها ؛ ليكون قد تناول من كل واحدة شيئاً " انتهى من " المجموع شرح المهذب " (8/414) .
والحاصل :
الأضحية التي أكلتها كلها ، ولم تتصدق منها بشيء ، يلزمك أن تشتري شيئاً من اللحم ولو أوقية ، وتتصدق به على الفقراء ، عوضاً عنها .
وأما الأضحية التي تصدقت بها كلها ، فهي مجزئة عنك عند جميع العلماء .
وأما العقيقة ، فلا حرج عليك فيما فعلته بها .
والله أعلم .
تعليق