الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

يعيشون في بلاد الكفر ولا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ما حكمهم وكيف نتعامل معهم ؟

150930

تاريخ النشر : 05-08-2010

المشاهدات : 32366

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه ، وبعد : أخي العزيز : نواجه مشكلة هنا في " بلغاريا " ، إذ أني أسكن مع أناس هم في الأصل أتراك ، ويقولون بأننا مسلمون وذلك لأننا " تُرك " ، ولأننا نقوم بالختان ، ولأن أسماءنا " أحمد " ، و " محمد " ، وهم في حقيقة الأمر لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ، ومن الإيمان إلا رسمه . والمشكلة أنهم قد يستمعون إلى المصلين الذين في المنطقة ، ذلك أنه يوجد في المكان جامع منذ 10 سنوات وهو على منهج السلف - والحمد لله - ويدعو إلى التوحيد وإلى " لا اله إلا الله " ، المهم : هم قد يستمعون - أقول قد - ولكنهم لا يؤمنون ، لأنهم قد تربوا على الإلحاد ؛ بحكم الدولة الشيوعية سابقاً ، فضلا عن أنهم يلمزون بالمصلين بأنهم كانوا كذا وكذا قبل إسلامهم ( وذلك لأنهم في جاهليتهم كانوا يأكلون الخنزير ويشربون الخمر ويزنون بل ويفعلون أكثر الموبقات ) فهم يركزون على ماضيهم ولا ينظرون إلى حاضرهم ، وكل هذا من أجل أن لا يصلوا وأن لا يدخلوا في الإيمان ( طبعا هذا كلام عموم إذ بالتأكيد يوجد من لا يقول هذا لا سيما وان عددهم 10000 عشرة آلاف تركيّاً ) . المشكلة أين الآن : 1. تتعلق بما يذبحه هؤلاء ، إذ إننا نقول : إننا لا نأكل ممن لا يصلِّي لأنه سيكون غير مسلم ومع هذا هم لا يكترثون لكلامنا ويذبحون ويأكلون ، فهل يمكننا أن نعدهم مسلمين - علما أنهم حتى لا إله إلا الله لا يقولونها - وعليه : فهل نأكل ذبائحهم ونعذرهم بجهلهم ؟ ( ولكن وسائل رفع الجهل موجودة وهم لا يسعون إليها وأيسرها الجامع ، فضلا عن الكتب والمواقع الإسلامية التي باللغة التركية وأخص منها ما تنشره " مكتبة الغرباء " لصاحبها فضيلة الشيخ عبد الله الأثري صاحب كتاب " الوجيز في عقيدة السلف الصالح " ) . 2. بالنسبة لموتاهم أنعاملهم معاملة المسلمين فنغسلهم ونكفنهم ونصلي عليهم وندفنهم في مقابرنا أم نتجنب ذلك ؟ ( علماً أنه كثيراً ما تحدث مشاكل بسبب هذا الأمر ، ولكن إمام المسجد والمصلين يواجهون الأمر ولا يعدونهم مسلمين ، فلا يصلون عليهم ، وقد اعتاد التُّرك على هذا الأمر ، فصاروا هم يتولون الأمر ، ولكن طبعا بعد مشاكل يسيرة ) . 3. هل يجوز الذهاب إلى أماكن عزائهم - علما أن فيها من البدع الكفرية ما الله به عليم - وذلك لنذكرهم بالله ، ونعلمهم لا إله إلا الله ، وندعوهم ؟ ( يذهب بعض الإخوة لتعليمهم ولكن لا نرى استجابة قط ، فيصبح الذهاب فقط من باب العرف عندهم ويستغلون هذا الأمر ) . هناك مسائل أخرى أكتفي بهذا القدر منها الآن ، وبانتظار جوابكم بالتفصيل والتأصيل لأني سأنقل الفتوى لهم ، ولا بد أن تكون مؤصلة تأصيلاً علميّاً مُحكَما ؛ لأن هناك بعض طلاب العلم المتشددين الذين لا يرون إلا التكفير ، فأي جواب غير مؤصل لن يقبل به فأرجو التركيز على هذه النقطة أخي الحبيب وبارك الله فيك .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
نشكر لكم ثقتكم بإخوانكم في الموقع ، ونشكر لكم غيرتكم على الشرع ، واستقامتكم والتزامكم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه ، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح .

ثانياً:
يجب أن يُعلم أن الإسلام ليس ادعاءً يدعيه الإنسان ، ولا يكفي لحفظ الإسلام على صاحبه ، إذا كان قد ولد لأبوين مسلمين ، أن يكون اسمه إسلاميا ؛ بل لا بد له من إظهار شعائر الإسلام الظاهرة ، والالتزام بلا إله إلا الله ، والبعد عن نواقضها .
وما يفعله بعض المسلمين وخاصة ممن يعيشون في دول الكفر والإلحاد يجعلنا نؤكد على هذا ، فتصبح عندهم بعض شعائر الدين مجرد تقليد وعادة ، كالختان ، وتسمية الأولاد بأسماء شبه عربية ! والاحتفال ببعض المناسبات الدينية ، أو المنسوبة للدين ، بينما تجد واقعه كفراً وإلحاداً ، كمن يبني كنيسة للنصارى ، أو يشاركهم في أعيادهم الدينية ، أو يشارك البوذيين في معابدهم ، وتجدهم لا يصلون ، ولا يصومون ، عدا عن فعل الموبقات والكبائر الأخرى كشرب الخمر ، وأكل لحم الخنزير ، والمهم في هذا أنك تجد منهم نقضاً للإسلام المدعى بألسنتهم من واقعهم العملي أو الاعتقادي – كعدم تكفير اليهود والنصارى والتشكك في قواطع الإسلام الثابتة – ومن تأمل حال كثير من المسلمين بالاسم في بلاد الكفر سيتأكد له صدق قولنا هذا ، وأنه موجود لا يُنكره إلا جاهل أو معاند .
فمثل هؤلاء الذين يأتون بعقائد أو أعمال تخرجهم من الإسلام ، لا ينفعهم أن تكون أسماؤهم عربية أو إسلامية ، ولا ينفعهم ختانهم ، ولا احتفالهم بالعيد ، بل ولا ينفعهم نطقهم بالشهادتين ؛ لأنها ستكون مجرد كلمة خاوية من معناها ، فارغة من مضمونها ، فاقدة لشروطها ، ومن هنا تجد في كلام بعض الفقهاء والعلماء في الحكم على من ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام التنصيص على : " ولو قال لا إله إلا الله " ؛ ومعنى ذلك أن هذه الكلمة الطيبة ، ليست نافعة له ، إن جاء بما ينقضها قولاً ، أو أعتقاداً ، أو عملاً .

ثانياً:
ليُعلم أن الفقهاء يختلفون في حكم ترك أركان الإسلام – غير الشهادتين – وهي داخلة في مسائل الفقه العملي ، لكنهم لا يختلفون في حكم من عاش دهره كله لا يأتي بشيء منها ؛ فإنها تصير – والحالة هذه – مسألة اعتقاد ، ولا يكون هذا إلا من منافق أو زنديق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
ومِن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ، ولا يصوم من رمضان ، ولا يؤدي لله زكاة ، ولا يحج إلى بيته ، فهذا ممتنع ، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة ، لا مع إيمان صحيح .
" مجموع الفتاوى " ( 7 / 611 ) .
وبما ذكرناه نفهم معنى قول الحسن البصري رحمه الله – وينسبه بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح عنه - : " ليس الإيمان بالتحلِّي ولا بالتمنِّي ، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال " ، فالإسلام ليس كلمة يقولها صاحبها ليكون من المسلمين ، وليس هو زينة يتزين بها في مجالس الناس ، بل لا بد مع القول من اعتقاد صحيح وعمل بمقتضى الشهادتين ، وإلا كان رُدَّ عليه ادعاؤه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – شارحاً كلام الحسن البصري - :
وقوله : " ليس الإيمان بالتمنِّي " يعني : الكلام ، وقوله : " بالتحلِّي " يعني : أن يصير حلية ظاهرة له فيظهره من غير حقيقة من قلبه .
ومعناه : ليس هو ما يظهر من القول ولا من الحلية الظاهرة ، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال ، فالعمل يصدِّق أن في القلب إيماناً ، وإذا لم يكن عمل : كذَّب أن في قلبه إيماناً ؛ لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر ، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم .
" مجموع الفتاوى " ( 7 / 294 ) .
فهذا نذير لكل من يزعم الإسلام بقوله وليس ثمة اعتقاد في قلبه صحيح ، وليس له واقع عملي يصدِّق به اعتقاده أن ينقذ نفسه قبل فوات الأوان ، وأن يعيد الحساب مع نفسه ليعرف على أي طريق هو سائر وأين سيصل به هذا الطريق ، ولعلَّ كل هذا أن يكون من شؤم إقامة هؤلاء بين أظهر الكفار وخاصة الملحدين منهم ، ونسأل الله أن يهديهم للإسلام الصحيح ، وأن يعجل هجرتهم من تلك الديار .

ثالثاً:
إذا عُلم ما سبق : فإن من تذكرون أحوالهم وتسألون عن أحكامهم على قسمين :
الأول : قوم يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ويلتزمون بها ، ويصلون ، لكنهم يتركون بعض فرائض الإسلام ، أو يتهاونون فيرتكبون معاصٍ وآثاماً ، ولا يأتون بنواقض للإسلام ، فهؤلاء مسلمون تؤكل ذبائحهم إن سمُّوا الله عليها ، ويصلَّى عليهم صلاة الجنازة ، ويُعزَّى بهم ، ويدفنون في مقابر المسلمين .
والثاني : من سبق ذِكر حالهم ممن لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ، ولا يصلون ، أو لا يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أو يأتون بنواقض للإسلام ، فهؤلاء لا يجوز لكم أكل ذبائحهم ولو سمُّوا الله عليها ، ولا الصلاة عليهم ، ولا دفنهم في مقابر المسلمين .
وقد سبق في جواب السؤال رقم ( 10061 ) بيان أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر .
وبينا في جواب السؤال رقم ( 70278 ) أن ذبيحة تارك الصلاة لا تؤكل ، وتجدون في الجواب قول الشيخ ابن باز رحمه الله " الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته ، هذا هو الصواب " .
وفي جواب السؤال رقم ( 7864 ) قلنا : " إن الواجب أن يُخصص للمسلمين مقابر ، ولا يدفن فيها غيرهم ، والذي لا يصلي ويموت وهو تارك للصلاة لا يدفن في مقابر المسلمين " .

وأما حضور مجالس عزاء من مات من القسم الثاني :
فنرى أن حكمها يختلف عما سبق من المنع والتحريم ؛ إن كان ذهابكم بقصد الدعوة وتذكير المجتمِعين بالله تعالى والإسلام والموت والحساب والجنة والنار ، فاجتماع طائفة من أولئك وغيرهم فرصة للدعوة ، ولتبليغ دين الله تعالى لهم ، وتذكيرهم باليوم الآخر وما يحصل فيه ، وليس قصد الذهاب ذات التعزية وإنما اغتنام الاجتماع لتبليغ رسالة الله تعالى .

رابعاً:
وننبه في آخر المطاف :
1. أنه لا يجوز لآحادكم أن يحكم على المخالف له بالكفر والردَّة ، بل اجعلوا ذلك منوطاً بأهل العلم منكم وطلاب العلم الأقوياء ، فهم الأقدر على فهم ما نقلناه لكم من أقوال وأحكام ، وهم الأعلم فيمن يستحق تنزيل الأحكام عليه من عدمه .
2. أن بعض أولئك قد يكون له حكم " أهل الفترة " فواجب عليهم التفقه والتبصر في الإسلام ، وواجب عليكم دعوتهم إلى الإسلام ، فقد ينجو أولئك يوم القيامة بالاختبار وتعاقبون أنتم على تقصيركم في دعوتهم .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
يوجد كثير من المسلمين خاصة في الدول التي كانت فيها الشيوعية , وهؤلاء كما ذكر عدد ممن زارهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه وقد يصلي بعضهم الظهر خمس ركعات , أو لا يدري أن من بين فرائض الإسلام صوم أو حج , فما حكم هؤلاء , وكيف يحاسبون ؟ .
فأجاب :
الواجب على أهل العلم والدعاة إلى الله سبحانه أن يعلِّموهم ويرشدوهم ; لقول الله عزوجل ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل/ 125 ، وقوله سبحانه ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا فصلت/ 33 الآية ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) - رواه مسلم - .
والواجب عليهم أن يتعلموا ويتفقهوا في الدين , وأن يسألوا أهل العلم , كما قال الله سبحانه ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/ 43 ، وبذلك تحصل لهم البصيرة والفقه في الإسلام إن شاء الله , نسأل الله أن يفقههم في الدين , وأن ييسر لهم دعاة الهدى ، إنه جواد كريم .
أما لو ماتوا على حالهم لم تبلغهم الدعوة : فهم كغيرهم من أهل الفترة أمرهم إلى الله سبحانه , وقد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن لم تبلغهم الدعوة أنهم يمتحنون يوم القيامة , فمن نجح دخل الجنة ومن لم ينجح دخل النار , نسأل الله لنا ولهم ولجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه والسلامة من أسباب غضبه إنه سميع قريب .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 9 / 444 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب