الحمد لله.
أولا :
ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رغب في صلاة التراويح جماعة ، فقال : ( مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ) رواه الترمذي (806) وصححه وأبو داود (1375) والنسائي (1605) وابن ماجه (1327) . وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وهذا الثواب لا يناله إلا من صلى مع الإمام حتى ينتهي من الصلاة كلها ، أما من اقتصر على بعض الصلاة ثم انصرف ، فلا يستحق الثواب الموعود به في هذا الحديث ، وهو "قيام ليلة" .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
إذا صلى الإنسان في رمضان مع من يصلي ثلاثا وعشرين ركعة واكتفى بإحدى عشرة ركعة ولم يتم مع الإمام ، فهل فعله هذا موافق للسنة ؟
فأجاب : " السنة الإتمام مع الإمام ، ولو صلى ثلاثا وعشرين ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة ، وفي اللفظ الآخر : (بقية ليلته) .
فالأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف ، سواء صلى إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة أو ثلاثا وعشرين أو غير ذلك ، هذا هو الأفضل أن يتابع الإمام حتى ينصرف " انتهى
"مجموع فتاوى ابن باز" (11 /325) .
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
" قيام رمضان يحصل بصلاة جزء من كل ليلة ، كنصفها أو ثلثها ، سواء كان ذلك بصلاة إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث وعشرين ، ويحصل القيام بالصلاة خلف إمام الحي حتى ينصرف ، ولو في أقل من ساعة .
وكان الإمام أحمد يُصلي مع الإمام ولا ينصرف إلا معه ، عملاً بالحديث ، فمن أراد هذا الأجر فعليه أن يصلي مع الإمام حتى يفرغ من الوتر ، سواء صلى قليلاً أو كثيراً ، وسواء طالت المدة أو قصرت " انتهى .
"فتاوى الشيخ ابن جبرين" (24 /9) .
وإذا كان المسجد يصلي فيه إمامان فصلاة التراويح هي صلاة الإمامين معاً ، فينبغي لمن أراد أن ينال ثواب قيام ليلة أن لا ينصرف حتى يتم الإمام الثاني الصلاة وينصرف منها .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : من صلى مع الإمام الأول صلاة التراويح ثم انصرف ، وقال : لي قيام ليلة بنص الحديث ، فإنني بدأت مع الإمام وانصرفت معه ؟
فأجاب : أما قوله : " من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " . فهذا صحيح .
ولكن هل الإمامان في مسجد واحد يعتبر كل واحد منهم مستقلا ، أو أن كل واحد منهما نائب عن الثاني ؟
الذي يظهر الاحتمال الثاني - أن كل واحد منهما نائب عن الثاني مكمل له - وعلى هذا فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمام واحد ، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني ، لأننا نعلم أن الثانية مكملة لصلاة الأول .
وعلى هذا فالذي أنصح به إخواني أن يتابعوا الأئمة هنا في الحرم حتى ينصرفوا نهائيا ، وإن كان بعض الإخوة ينصرف إذا صلى إحدى عشرة ركعة ، ويقول : إن هذا هو العدد الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونحن معه في أن العدد الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم واقتصر عليه هو الأفضل ، ولا أحد يشك في هذا ، ولكني أرى أنه لا مانع من الزيادة ، لا على أساس الرغبة عن العدد الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن على أساس أن هذا من الخير الذي وسع فيه الشرع .
ولكن الإشكال الوارد : إن كان هناك وتران في ليلة واحدة ، فماذا يصنع المأموم ؟
نقول: إذا كنت تريد أن تصلي مع الإمام الثاني التهجد ، فإذا أوتر الإمام الأول ، فأت بركعة لتكون مثنى مثنى ، وإذا كنت لا تريد التهجد آخر الليل ، فأوتر مع الإمام الأول ، ثم إن قدر لك بعد ذلك أن تتهجد فاشفع الوتر مع الإمام الثاني " انتهى ملخصا .
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 /436) .
والذي ينبغي في هذا أن يتفق أهل المسجد على عدد من الركعات يصلونها كل ليلة ، يكون مناسباً لهم جميعاً أو لأكثرهم ، حتى لا يحصل تفريق بين المصلين ، أو حرمان بعضهم من الثواب ، وقد كان حريصاً عليه لولا ما عنده من أعمال .
ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا جميعاً ويعيننا على طاعته .
والله أعلم .
تعليق