الحمد لله.
أولاً:
الحديث الذي أراد الأخ السائل الكلام في فقهه ومعناه هو ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ : كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعاً .
رواه البخاري ( 190 ) .
وقد رواه أبو داود ( 80 ) وابن ماجه ( 381 ) - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - بلفظ " كُنَّا نَتَوَضَّأُ نَحْنُ وَالنِّسَاءُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ نُدْلِي فِيهِ أَيْدِيَنَا " .
ثانياً:
اختلف أهل العلم في توجيه الحديث على ثلاثة أقوال :
الأول : أنه ليس الحديث في اجتماع الرجال والنساء في وقت واحد على الوضوء ، بل فيه
بيان أن مكان وضوئهم والماء الذي يتوضؤون منه هو مكان واحد وماء واحد ، فإذا انتهى
الرجال من الوضوء جاء النساء ، وهو قول سحنون من المالكية ، ومقصود ابن عمر من ذِكر
هذا : بيان عدم تنجس الإناء من التناوب على الحوض بالوضوء منه حتى مع غمس الأيدي
فيه ، وأن توضأ النساء منه غير مؤثر على الماء .
الثاني : أن المراد بالنساء في الحديث الزوجات والمحارم ، وهو قول ولي الدين
العراقي ، حيث قال – رحمه الله - : أطلق ابنُ عمر في حديثه وضوء النساء والرجال
جميعاً ، ولا شك أنه ليس المراد به الرجال مع النساء الأجانب ، وإنما أراد الزوجات
أو من يحل له أن يرى منها مواضع الوضوء ، ولذلك بوب عليه البخاري " باب وضوء الرجل
مع امرأته " .
" طرح التثريب " ( 2 / 39 ) .
الثالث : أن يكون الحديث في وصف حدث قبل تشريع الحجاب على النساء ، وهو ترجيح
الحافظ ابن حجر رحمه الله حيث قال : والأولى في الجواب أن يقال : لا مانع من
الاجتماع قبل نزول الحجاب ، وأما بعده : فيُختص بالزوجات والمحارم .
" فتح الباري " ( 1 / 300 ) ، وتبعه الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/43) .
وسواء قيل بالوجه الأول أو الثاني أو الثالث : فإنه ليس معنى الحديث أن الشرع جاء ليبيح للمرأة أن تكشف ذراعيها وساقيها ورأسها أمام الرجال الأجانب ! وهذا لا يقول به من عرف الشرع وأحكامه ، والعلماء مجمعون على تحريم إظهار تلك الأعضاء أمام الرجال الأجانب ، ولا يمكن للشرع المطهر أن يحرص في كل أحكامه على ستر المرأة والحرص على ابتعادها عن الرجال عموماً وفي أعظم العبادات وهي الصلاة خصوصاً ، فيحثها على صلاتها في بيتها ، ويحثَّها على الابتعاد عن الصف الأول ، ويجعل لها باباً خاصّاً تدخل منه للمسجد ، ويحثها على المبادرة بالخروج من المسجد سلام الإمام ، ثم يأتي ليبيح لها كشف ساقيها وذراعيها ورأسها أمام الرجال الأجانب في الوضوء ! .
ولذا لمَّا كان اجتماع الرجال والنساء على مكان واحد
للوضوء يمكن أن يحدث منه اطلاع الرجال على شيء من أعضاء النساء أثناء الوضوء ، عاقب
عمر بن الخطاب رضي الله عنه مَن اجتمع من النساء والرجال على مكان واحد ليتوضئوا
جميعاً في وقت واحد ، وأمر بجعل مكان خاص للرجال وآخر للنساء ، فعن أبي سلامة
الحبيبي قال : رأيتُ عمر بن الخطاب أتى حياضاً عليها الرجال والنساء يتوضؤون جميعاً
، فضربهم بالدِّرة ثم قال لصاحب الحوض : اجعل للرجال حياضاً وللنساء حياضاً ... " .
رواه عبد الرزاق في " مصنفه " ( 1 / 75 ) .
وينظر جواب السؤال رقم ( 127276 )
.
والله أعلم
تعليق