الحمد لله.
لا حرج في قراءة القرآن الكريم على نية الوقاية من العين أو الحسد ، وذلك للأدلة الآتية :
1. النصوص الواردة في الاستشفاء بالقرآن الكريم ، والوقاية أو العلاج من العين والحسد هي نصوص عامة ، لا تفرق بين الإنسان وغيره ، والعمل بالعموم حجة شرعية كافية ، ومن ذلك حديث : ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْهُ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ ) رواه أحمد في " المسند " (24/466)، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2572)
ولا يظهر لنا فرق بين القراءة على الإنسان أو الحيوان ، فالسبب فيهما واحد ، ورقيتهما – أيضا - واحدة ، فيما يظهر .
2. النصوص الخاصة الواردة في الموضوع أيضا ، ومنها :
حديث سحيم بن نوفل قال :
( بينما نحن عند عبد الله – يعني ابن مسعود - إذ جاءت وليدة أعرابية إلى سيدها ونحن نعرض مصحفا ، فقالت : ما يجلسك وقد لقع – أي أصاب - فلان مهرك بعينه ، فتركه يتقلب في الدار كأنه في قدر ، قم فابتغ راقيا . فقال عبد الله : لا تبتغ راقيا ، وانفث في منخره الأيمن أربعا ، وفي الأيسر ثلاثا ، وقل : لا بأس ، لا بأس ، أذهب البأس ، رب الناس ، اشف أنت الشافي ، لا يكشف الضر إلا أنت . قال : فذهب ، ثم رجع إلينا ، قال : قلت ما أمرتني فما جئت حتى راث ، وبال ، وأكل ) رواه ابن فضيل الضبي في " الدعاء " (ص/297) ، وابن أبي شيبة في " المصنف " (10/280) ، وقد عقد عليه بابا بعنوان : " في الدابة يصيبها الشيء بأي شيء تُعَوَّذ به "، والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص/346) ، ورواه ابن عبد البر في " التمهيد " (6/239) ، وفي " الاستذكار " (8/402) ، وابن قتيبة في " عيون الأخبار " (ص/248) ، والبيهقي في " الدعوات الكبير " (2/264) ، وبوب عليه بقوله : " باب في رقية الدابة " .
جميعهم من طريق حصين ، عن هلال بن يساف ، عن سحيم بن نوفل به .
قلنا : ولكن سحيم بن نوفل لم نقف على توثيق ولا تجريح له ، ترجم له البخاري في " التاريخ الكبير " (4/192) ، وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4/303) وسكتا عنه ، وقال ابن سعد : " روى عن عبد الله بن مسعود ، وكانت لأبيه صحبة ، وكان قليل الحديث " انتهى من " الطبقات الكبرى " (6/198) ، وذكره ابن حبان في " الثقات " (4/343) ، ويبدو أنه من خاصة أصحاب عبد الله بن مسعود ، فقد روى عنه بعض أقواله ، وأخبر ههنا أنهم كانوا يعرضون عليه المصحف ، فهو من القراء الذين أخذوا عن ابن مسعود القراءة .
ومن ذلك حديث طويل أيضا فيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة بالبركة ، فاستجاب الله دعاءه ، حتى قال الراوي – واسمه ذيَّال - :
( فَلَقَدْ رَأَيْتُ حَنْظَلَةَ يُؤْتَى بِالْإِنْسَانِ الْوَارِمِ وَجْهُهُ ، أَوِ بِالْبَهِيمَةِ الْوَارِمَةِ الضَّرْعُ ، فَيَتْفُلُ عَلَى يَدَيْهِ وَيَقُولُ : بِسْمِ اللهِ ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ، وَيَقُولُ عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَمْسَحُهُ عَلَيْهِ ، فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ ) رواه أحمد في " المسند " (34/263) وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/2955) ، ومحققو المسند في طبعة مؤسسة الرسالة .
3. تأثر الدواب والجمادات بكتاب الله تعالى أمر مشهور وردت به الأدلة الكثيرة ، ومن ذلك أن الله عز وجل أخبر عن بعض الحجارة بقوله : ( وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) البقرة/74 ، ومنه حنين الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وتحرك الفرس لتنزل السكينة بتلاوة سورة الكهف كما في حديث البراء بن عازب في " صحيح البخاري " (5011) ، وفي " صحيح مسلم " (795) قَالَ : (كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ ) .
خامسا :
لم نجد في العلماء من ينبه على المنع من ذلك ، بل وجدنا من ينص على الجواز ، ومن ذلك أن الشيخ ابن جبرين رحمه الله سئل السؤال الآتي :
أخبرنا أحد القراء أن أحد الأشخاص عاين سيارته ، فطلب القارئ من العائن أن يتوضأ ، وبعد ذلك قام هو بأخذ هذا الماء ووضعه في رديتر السيارة ، فتحركت السيارة وكأنها لم يكن بها شيء ، فما حكم عمله هذا ، وذلك لأن الذي أعرفه في السنة هو أخذ غسول العائن في حالة إصابته لشخص آخر ؟
فكان جوابه رحمه الله :
" لا بأس بذلك ، فإن العين كما تصيب الحيوان فقد تصيب المصانع والدور والأشجار والصنيعات والسيارت والوحوش ونحوها ، وعلاج الإصابة أن يتوضأ العائن أو يغتسل ويصب ماء وضوئه أو غسله أو غسل أحد أعضائه على الدابة ، ومثلها على السيارة ونحوها ، ووضعه في الرديتير مفيد بإذن الله ، فهذا علاج مثل هذه الإصابة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا ) رواه مسلم (2188) ، والقصص والوقائع في ذلك مشهورة ، والله أعلم " انتهى من " الفتاوى الذهبية في الرُقى الشرعية " (ص/111) .
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله – عن دعاء " اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه " - :
" وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة ؟
وجوابي : نعم ؛ لما يرجى من خيرها ويخشى من شرها " انتهى من " آداب الزفاف في السنة المطهرة " (ص/93) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله السؤال الآتي :
عندنا إصطبل ، يوجد به سلالات طيبة من الخيول ، وسبق أن أصيب أحدها بعين ، هل المعوذات واقية لها بإذن الله من العين ، وهل يجوز أن أرقيها ؟
فأجاب :
" نعم ، تتعوذ وتورد على نفسك وعلى مالك وعلى بهائمك ، هذا شيء طيب " انتهى باختصار .
والله أعلم .
تعليق