الحمد لله.
أولاً :
الأنكحة التي يعتبرها الكفار نكاحاً صحيحاً يقرها الإسلام ، ويحكم بصحتها ، ويترتب عليها ما يترتب على الأنكحة الصحيحة شرعاً من ثبوت نسب الأولاد ، والتوارث بين الزوجين ... وغير ذلك من أحكام النكاح الصحيح .
وقد أسلم في زمنه - صلى الله عليه وسلم - خلق كثير ولم يستفصل عن شرائط أنكحتهم، بل أقرهم عليها فدل على صحتها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " أنكحة الكفار صحيحة, يقرون
عليها إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا, إذا كانت المرأة ممن يجوز ابتداء نكاحها في
الحال, ولا ينظر إلى صفة عقدهم وكيفيته, ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين, من
الولي, والشهود, وصيغة الإيجاب والقبول, وأشباه ذلك. بلا خلاف بين المسلمين. قال
ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معاً, في حال واحدة, أن لهما
المقام على نكاحهما , ما لم يكن بينهما نسب ولا رضاع وقد أسلم خلق في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأسلم نساؤهم, وأقروا على أنكحتهم, ولم يسألهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن شروط النكاح, ولا كيفيته, وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة, فكان
يقيناً, ولكن ينظر في الحال, فإذا كانت المرأة على صفة يجوز له ابتداء نكاحها, أقر,
وإن كانت ممن لا يجوز ابتداء نكاحها, كأحد المحرمات بالنسب أو السبب, أو المعتدة,
والمرتدة, والوثنية, والمجوسية, والمطلقة ثلاثاً, لم يقر. وإن تزوجها في العدة,
وأسلما بعد انقضائها, أقرا; لأنها يجوز ابتداء نكاحها" انتهى من "المغني" (7/115) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " نكاح الكفار حكمه
كنكاح المسلمين في كل ما يترتب عليه من آثار، كالظهار، واللعان، والطلاق، والإحصان،
ولحوق النسب، وغير ذلك .
ثانياً : إذا كان النكاح صحيحاً على مقتضى الشريعة الإسلامية فهو صحيح، وإن كان
فاسداً على مقتضى الشريعة الإسلامية، فإنهم يقرون عليه بشرطين:
الأول: أن يروا أنه صحيح في شريعتهم.
الثاني: ألا يرتفعوا إلينا، فإن لم يعتقدوه صحيحاً فرق بينهما، وإن ارتفعوا إلينا
نظرنا، فإن كان قبل العقد وجب أن نعقده على شرعنا، وإن كان بعده نظرنا إن كانت
المرأة تباح حينئذ أقررناهم عليه، وإن كانت لا تباح فرقنا بينهما، ودليل هذه
الأشياء إسلام الكفار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأبقى من كان معه زوجته على
نكاحه في الجاهلية، ولم يتعرض له، فدل هذا على أنه يبقى على أصله " انتهى من "الشرح
الممتع" (12/239).
وبناء على هذا ، فالأولاد الذين ينجبهم غير المسلمين ، إن كان ذلك من نكاح يعتقدون
هم أنه نكاح صحيح ، فهم أولادهم ، ونسبهم إليهم صحيح .
أما إن كانوا لا يعتقدون هذا نكاحاً ، وإنما هو نوع صداقة ومحبة من غير نكاح ،
فهؤلاء أولاد زنا ، وليسوا أولاداً شرعيين .
ثم .. إذا نسبهم الزاني لنفسه واعتبرهم أولاداً له فهم أولاده ، ينسبون إليه .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : يسأل عن مشكلة الزنا
التي ما سلم منها إلا قليل من إخواننا وأخواتنا قبل إسلامهم نتج من هذه الاتصالات
أولاد كثيرون ولا أكون مبالغاً لو وصفتهم أنهم أمة من الناس، الأولاد الذين أتوا من
هذا الزنا هل نفقتهم واجبة على آبائهم الذين أسلموا وما كان عندهم عقد على أمهاتهم؟
فأجاب : "هؤلاء الذين حصل منهم جماع في حال الكفر إن كانوا يعتقدون أن هذا الجماع
حصل عن عقد يرونه عقداً صحيحاً ، وإن كان باطلاً شرعاً ، فالعقد صحيح والأولاد
للرجل .
مثال ذلك : إنسان وهو كافر اتفق مع امرأة على أن يكون زوجها فوافقت ، وكانوا يرون
هذا عقداً، ثم أسلم الرجل والمرأة نقول: أنتم على نكاحكما، ولا يحتاج أن تجدد
العقد، وما حصل بينكما من أولاد فهم لكما، إلا إذا كانت الزوجة في حال الإسلام لا
تحل للزوج، مثل لو كان مجوسياً وتزوج أخته، والمجوس يجوزون نكاح المحارم، فإذا تزوج
أخته في حال الكفر ثم أسلم وأسلمت وجب التفريق بينهما؛ لأن المرأة لا تحل للرجل،
فهؤلاء الجماعة الذين ذكرت نقول: إذا كنتم تعتقدون أن ما حصل منكم من مواقعة هؤلاء
النساء نكاح وعقد، فليس هذا زنا، والأولاد لكم، وإن كنتم تعتقدون أنه زنا فإن
استلحقتم هؤلاء الأولاد في حال الكفر - يعني: أن الزاني قال: هؤلاء أولادي- فهم
أيضاً أولاده ما دام ليس له منازع، وإن لم يستلحقوهم فإنهم لا يكونون أولادا لهم.
وأما النفقة فتنبني على أننا إن حكمنا بأنهم أولاد لهم وجب عليهم الإنفاق عليهم،
وإن لم نحكم بذلك فليس عليهم نفقتهم.." انتهى من فتاوى "نور على الدرب" .
تعليق