الحمد لله.
الواجب على المسلم تعلم أحكام دينه ، وطلب العلم فريضة ، فبه يتعرف المسلم على أحكام دينه فيفعل الواجب ولا يقرب من المحرم ، ولا يتقرب لربه تعالى إلا بما شرع ، ولا شك أنك – أخي السائل – أخطأت من جهتين : الأولى : عدم وقوفك على الأحكام الشرعية المتعلقة بالعقود التجارية ، والثانية : عدم تنبهك إلى ما في عقد المبايعة من شروط وتنبيهات ، ولا نحسبك إلا صادقاً أنك لم تتعمد مخالفة شرع ربِّك وأنك صادق في سؤالك عما يجب عليك فعله ، ونسأل الله تعالى أن يثيبك على نيتك وفعلك خيراً جزيلاً .
وأما بخصوص تلك البنود والشروط في العقود فلا شك أنها مخالفة للشرع ، وأنها تجعل العقد ربويّاً لا يحل للمسلم إنشاؤه ، وأنه إذا استطاع فسخه فلا ينبغي له التردد في ذلك ؛ لأنه عقد فاسد .
1. قد ذكرنا في جواب السؤال رقم ( 98118 ) حرمة اشتمال العقد على اشتراط غرامة في حال التأخر عن السداد ولو كان الإنسان متيقناً من قدرته على السداد ؛ لأنه إقرار للربا والتزام به .
وقد جاء في قرار المجمع الفقهي - التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي - رقم 133 ( 7 / 14 ) ما نصه : " إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد : فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط ؛ لأن ذلك ربا محرم " انتهى .
2. والاتفاق بين البائع والمشتري إن تم قبل إبرام العقد أنه إن عجَّل المشتري الثمن كان السعر كذا : داخل في النهي عن بيعتين في بيعة ، أما إن كان الاتفاق تم بعد العقد : فهذه معاملة " ضع وتعجل " ، والصواب جوازها .
وفي قرار رقم : 64 ( 2 / 7 ) لمجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7 - 12 ذي القعدة 1412 هـ ، الموافق 9 - 14 أيار ( مايو ) 1992م قرر ما يلي :
أولاً : البيع بالتقسيط جائز شرعاً ولو زاد فيه الثمن المؤجل على المعجل .
ثانياً : الأوراق التجارية ( الشيكات ، السندات لأمر ، سندات السحب ) من أنواع التوثيق المشروع للدين بالكتابة .
ثالثاً : إن حسم ( خصم ) الأوراق التجارية غير جائز شرعاً ؛ لأنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم.
رابعاً : الحطيطة من الدين المؤجل لأجل تعجيله ، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين ( ضع وتعجل ) جائزة شرعاً لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق .
انتهى
3. وأما البندان الأخيران فلا يظهر لنا مخالفتهما للشرع ؛ فإن للبائع في البيع بالتقسيط أن يشترط على المشتري في العقد أنه إذا لم يف الأقساط في مواعيدها أن من حقه أن يفسخ البيع ، وهو شرط ملزم للمشتري ، وهو شرط معتبر لأنه في مصلحة العقد ، وخاصة أن نص الشرط : أن يكون التأخر في السداد من غير عذر ، ومن غير إبلاغ الشركة ، ومثله يقال في البند الأخير .
وعلى كل حال فإن البند الأول والثاني كافيان لجعل العقد محرَّماً لا يحل إنشاؤه ، وبما أن الأمر قد تمَّ من غير تعمد منك وأنت الآن نادم على فعله : فانظر هل باستطاعك فسخ العقد من غير ضرر يلحقك ، فإن كان الأمر كذلك وكان المبلغ المدفوع من قبلك لا يضرك الاستغناء عنه فافسخ العقد ؛ لأن شروطه الربوية تفسده .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ ، فَقَالَ : ( مَا هَذَا التَّمْرُ مِنْ تَمْرِنَا ) فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بِعْنَا تَمْرَنَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ مِنْ هَذَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( هَذَا الرِّبَا فَرُدُّوهُ ثُمَّ بِيعُوا تَمْرَنَا وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هَذَا ) رواه مسلم ( 1594 ) .
قال النووي – رحمه الله - : " المَقبُوض بِبَيعٍ فَاسِد يَجب رَدّه عَلى بَائعه , وَإِذَا رَدَّه استَرَدَ الثَّمَن " انتهى من " شرح مسلم " ( 11 / 22 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : " إذا أمكن المتعاقديْن ترجيع المقبوض بعقد فاسد والرجوع إلى الصحة : وجب ذلك " انتهى من " الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة " ( ص 181 ) .
وإن كان يضرك فسخ العقد ، والتنازل عن مبلغ الغرامة ، فاحرص على دفع المبلغ كاملاً لإنهاء الالتزام مع الشركة ، وهذا أهون الأمرين – كما قال لك الرجل الآخر - .
وإن لم تتمكن من تدبير المبلغ كاملاً لإنهاء التزامك مع الشركة فابق على الدفع لهم أقساطهم الشهرية ، واحرص أشد الحرص على عدم التأخر عليهم في دفعها .
وانظر تفصيلاً أوفى للموقف
من العقد الفاسد وكيفية التعامل معه في جواب السؤال رقم (184263)
، وانظر جواب السؤال رقم (
150663 ) ، ونسأل
الله أن يعفو عنك ، ولا ينبغي لك اليأس من رحمة الله فعفو الله عظيم وفضله كبير .
والله أعلم .
تعليق