الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

اقتران الأمر بالخضاب بالأمر بإعفاء اللحية في نص واحد لا يلزم به تساويهما في الحكم .

185777

تاريخ النشر : 23-01-2013

المشاهدات : 9705

السؤال


قرأت حديثاً ذُكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجالاً كانت لحاهم بيضاء بصبغها ، وفي الحديث ذاته أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق اللحية ، فمن هذا الحديث فهم البعض وجوب إطلاق اللحية وجواز صبغها بالأحمر ، فأرجو توضيح ما هو الصحيح في هذه المسألة. فإذا كان إطلاق اللحية واجباً فلماذا ليس بواجب صبغ اللحية البيضاء مع إن الأمرين ذُكرا في سياق واحد ؟

الجواب

الحمد لله.


روى الإمام أحمد (8458) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَعْفُوا اللِّحَى وَخُذُوا الشَّوَارِبَ وَغَيِّرُوا شَيْبَكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1067) .

والجمع بين هذين الأمرين : إعفاء اللحية ، وصبغ الشيب ، في سياق واحد ، ليس دليلا على أنهما سواء في الحكم ، إما أن يكونا واجبين جميعا ، أو مستحبين جميعا ؛ فإن ذلك مبناه على دلالة الاقتران ؛ ودلالة الاقتران إنما تكون حجة إذا قرنت بين مفردين ، أو عطفت جملتين لم تستوفيا أركانهما ؛ أما إذا كانت بين جملتين تامتين ، فلم يحتج الجمهور بدلالتها .
قال الزركشي رحمه الله :
" وَأَنْكَرَهَا الْجُمْهُورُ فَيَقُولُونَ : الْقِرَانُ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَدْخُلَ حَرْفُ الْوَاوِ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ ، أَوْ فِعْلٌ وَفَاعِلٌ ، بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي الْجَمِيعِ أَوْ الْعْمُومَ فِي الْجَمِيعِ ، وَلَا مُشَارَكَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِلَّةِ ، وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام: 141] وَقَوْلِهِ: فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ [النور: 33] " ، ثم قال :
" وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْمَذْهَبِ قَوْله تَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ [الفتح: 29] فَإِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَلَا تَجِبُ لِلثَّانِيَةِ الشَّرِكَةُ فِي الرِّسَالَةِ وقَوْله تَعَالَى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام: 141] وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ دُونَ الْأَكْلِ، وَالْأَكْلُ يَجُوزُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَالْإِيتَاءُ لَا يَجِبْ إلَّا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ كَلَامٍ تَامٍّ أَنْ يَنْفَرِدَ بِحُكْمِهِ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْأَوَّلُ، فَمَنْ ادَّعَى خِلَافَ هَذَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَلِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ لَا مِنْ نَفْسِ النَّظْمِ " انتهى من "البحر المحيط" (8/110) .
وقال الشوكاني رحمه الله :
" وَأَنْكَرَ دَلَالَةَ الِاقْتِرَانِ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: إِنَّ الِاقْتِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاقْتِرَانَ فِي الْحُكْمِ." انتهى من "إرشاد الفحول" (2/197) .

وقد روى البخاري (880) ومسلم (846) عن عَمْرو بْن سُلَيْمٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ، وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ ) .
قَالَ عَمْرٌو : أَمَّا الْغُسْلُ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ ، وَأَمَّا الِاسْتِنَانُ وَالطِّيبُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لَا ؟
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" هَذَا يُؤَيِّد مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَطْف لَا يَقْتَضِي التَّشْرِيك مِنْ جَمِيع الْوُجُوه , وَكَأَنَّ الْقَدْر الْمُشْتَرَك تَأْكِيد الطَّلَب لِلثَّلَاثَةِ , وَكَأَنَّهُ جَزَمَ بِوُجُوبِ الْغُسْل دُون غَيْره لِلتَّصْرِيحِ بِهِ فِي الْحَدِيث , وَتَوَقَّفَ فِيمَا عَدَاهُ لِوُقُوعِ الِاحْتِمَال فِيهِ " انتهى .
ولفظ رواية مسلم : ( غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ، وَسِوَاكٌ ، وَيَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ) .
وقد اختلف العلماء في وجوب غسل الجمعة ، لكنهم لم يختلفوا في كون السواك والطيب للجمعة من المستحبات ؛ فدل ذلك على ضعف دلالة الاقتران في مثله .

وهكذا الحال في هذا الحديث ؛ فإن الأمر بإعفاء اللحية ، جملة مستقلة تماما عن الأمر بصبغ الشيب ؛ ولأجل ذلك حكى غير واحد من أهل العلم اتفاق العلماء على تحريم حلق اللحية ، كما حكاه ابن حزم وغيره ، راجع جواب السؤال رقم (82720) .

وأما تغيير الشيب فالإجماع على استحبابه لا على وجوبه . جاء في " الموسوعة الفقهية" (2 /284) : " اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُل أَنْ يَخْتَضِبَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ لِتَغْيِيرِ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ لِلأْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : (72242) .
وينظر في صبغ الشيب وتجنيبه السواد ، جواب السؤال رقم (7227) .
وينظر في حلق اللحية جواب السؤال رقم (1189) ، (82720) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب