الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

هزل مديره بالكفر ، ولم ينكر عليه !!

191318

تاريخ النشر : 16-01-2013

المشاهدات : 13522

السؤال


قال محدثي هازلا في حوار : إنه بعد إنهائه العمل في شركة معينة ، إما سيصبح رسولا ، أو وزير خارجية ؛لكثرة المشاكل التي اعترضته ووجب عليه حلها ، فتبسمت في بادئ الأمر لقوله لكي أجاريه لكونه رئيسي في العمل ، ثم استدركت ما فعلته وأحسست فظاعة مجاراته ، فأنكرته بقلبي وبملامح وجهي ، ولكن لم أنكر ذلك عليه قولا . هل أكون قد كفرت بمجاراته في بادئ الأمر؟ وهل إنكار ذلك بقلبي بعد ذلك ينجيني من الكفر؟ وما هي الطريقة الأمثل لي لإفهامه أن ما قاله قول كفري ؟ وما هو الدليل الذي علي الاستشهاد به؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
هذا القول الذي تفوّه به رئيسك في العمل - وهو قوله أنه بعد إنهائه العمل في هذه الشركة إما أن يصبح رسولا أو يصبح وزيرا لا شك أنه قول مُفترَى ، واستهزاء بدين الله وبكتابه وبرسوله ، وذلك أنه لا نبي بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، كما هو معلوم من الدين بالضرورة ، كما قال تعالى : ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) الأحزاب/ 40 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا نبي بعدي ) رواه البخاري (4416) ومسلم (2404) .
ومن زعم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رسول أو أنه سيصبح رسولا ، إما أن يكون مكذبا للقرآن والسنة ، متبعا غير سبيل المؤمنين ، وإما أن يكون هازلا لاعبا ، وكلا الأمرين كفر وضلال .
ولا يجتمع في قلب عبد إيمان بالله وكفر به ، أو استهزاء بآياته ، أو بأحد من رسله ، أو تكذيب بخبره .
وقد قال الله تعالى: ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) التوبة / 65 - 66
يقولون عند الاعتذار: إنما نتكلم بكلام لا قصد لنا به ولا قصدنا الطعن والعيب.
قال أبو بكر بن العربي رحمه الله :
" لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ جِدًّا أَوْ هَزْلًا ، وَهُوَ كَيْفَمَا كَانَ كُفْرٌ ؛ فَإِنَّ الْهَزْلَ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ ، لَا خُلْفَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ " انتهى من "أحكام القرآن" (2/ 543) .
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ :
" من استهزأ بالله ، أو بكتابه ، أو برسوله ، أو بدينه : كفر ، ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء ، إجماعاً ". انتهى من "تيسير العزيز الحميد" (ص617) .
وقد تقدم بيان ذلك بالتفصيل في جواب السؤال رقم : (102871) ، (163627) .

ثانيا :
الواجب على المسلم إذا سمع أو رأى شيئاً من الاستهزاء بالدين أن ينكر على قائله وفاعله إنكاراً شديداً ، فإن لم يستجب له لزمه مغادرة المكان الذي هو فيه ، قال تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا ، فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ، إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا )النساء/140 .
وأما التبسم والضحك عند سماع مثل هذا الكلام ، فيجعل صاحبه شريكا للقائل في الإثم إن كان عن رضاً وقبول ، كما قال تعالى : (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ) ، وإن لم يكن عن رضا وقبول ، فهو معصية كبيرة تدل على عدم تمكن تعظيم الله وشعائره من قلبه .
والواجب على المسلم أن يعظم شعائر دين الله وآيات الله ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
قال السعدي رحمه الله :
" أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله ، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة " انتهى من "تفسير السعدي" (ص342) .

والواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من مداهنة هذا المدير في قولته ، وعدم إنكار ذلك عليه ، أو ترك المكان الذي هو فيه ، مع المداومة على فعل الطاعات والتقرب إلى الله بأنواع القرب .
وأما الاستنكار بالوجه ، بعد ما تبسمت أولا ، فهذا غير كاف ؛ أولاً : لأنك قادر على أن تنكر عليه ذلك بلسانك ، مع الرفق ومراعاة العلاقة بينكما ، لكن التوجيه الهادئ واللفتة السريعة إلى مثل ذلك ، لا نعتقد أن فيها مشكلة أو صعوبة ، أو أن ضررا سيترتب عليها .

فاجتهد الآن في نصح هذا الرجل ، وتنبيهه إلى خطر ما وقع فيه وشناعة ما قاله ، ولو على سبيل اللعب والمزاح ، وقد ذكرنا بعض الأدلة على كفر من نطق بالكفر ، ولو على سبيل اللعب ، ومن هذا الكفر دعوى إنسان أنه نبي ، أو أنه سيصير نبيا بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد سبقت الإشارة إلى بعض الأدلة على ختم النبوة .
وينظر جواب السؤال (113393) ورقم (4060) .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
بعض الناس يقول الكلام قد يؤدي إلى الكفر أو الفسق ، ويقول: إنني أمزح ، فهل مزاحه به صحيح في رفع الحرج أم لا ؟
فأجابوا : " يحرم المزح تحريما شديدا بما فيه كفر أو فسق ، قال الله تعالى: ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) ، وتجب التوبة من ذلك العمل والاستغفار، عسى الله أن يتوب على فاعله " .
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2 /50) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الذي يسب الدين لا شك في كفره ، وكونه يدعي أنه مستهزئ وأنه لاعب وأنه ما قصد هذا لا ينفي كفره ، كما قال الله تعالى عن المنافقين: ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) .
ثم نقول له : إذا كنت صادقاً في أنك تمزح أو أنت هازل لست بجاد فارجع الآن وتب إلى الله ، فإذا تبت قبلنا توبتك ، تب إلى الله وقل : أستغفر الله مما جرى ، وارجع إلى ربك ، وإذا تبت ولو من الردة فإنك مقبول التوبة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (14 /28) .

راجع جواب السؤال رقم : (175838) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب