الحمد لله.
روى أبو داود (928) والحاكم (927) والبيهقي (3411) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمٍ ) .
وصححه الألباني في "الصحيحة" (318) .
قال أبو داود عقبه : " قَالَ أَحْمَدُ : يَعْنِي فِيمَا أَرَى أَنْ لَا تُسَلِّمَ وَلَا يُسَلَّمَ عَلَيْكَ ، وَيُغَرِّرُ الرَّجُلُ بِصَلَاتِهِ فَيَنْصَرِفُ وَهُوَ فِيهَا شَاكٌّ " .
وروى الإمام أحمد (9622) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا إِغْرَارَ فِي الصَّلَاةِ ) فَقَالَ : " إِنَّمَا هُوَ لَا غِرَارَ فِي الصَّلَاةِ ، وَمَعْنَى غِرَارٍ يَقُولُ : لَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ عَلَى الْيَقِينِ وَالْكَمَالِ "
وقال الماوردي رحمه الله :
" معناه : لا نقصان فيها ، وهو إذا بنى على اليقين فقد أزال النقصان منها " انتهى من "الحاوى" (2 /488) .
وقال الخطابي رحمه الله :
" أصل الغرار نقصان لبن الناقة ، يقال غارت الناقة غراراً ، فهي مُغارّ : إذا نقص لبنها، فمعنى قوله : لا غرار ، أي : لا نقصان في التسليم ، ومعناه : أن ترد كما يسلم عليك وافيا لا نقص فيه ، مثل أن يقال السلام عليكم ورحمة الله ، فيقول عليكم السلام ورحمة الله ، ولا يقتصر على أن يقول السلام عليكم ، أو عليكم حسب .
وأما الغرار في الصلاة فهو على وجهين : أحدهما أن لا يتم ركوعه وسجوده ، والآخر ، أن يشك هل صلى ثلاثا أو أربعا ، فيأخذ بالأكثر ويترك اليقين وينصرف بالشك ، وقد جاءت السنة في رواية أبي سعيد الخدري أنه يطرح الشك ويبني على اليقين ويصلي ركعة رابعة حتى يعلم أنه قد أكملها أربعا " انتهى من "معالم السنن" (1/219- 220) .
وقال النووي رحمه الله :
" وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ : لَا غِرَارَ فِي الصَّلَاةِ ، بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى تَفْسِيرِ أَحْمَدَ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ لَا غِرَارَ فِي تَسْلِيمٍ وَلَا صَلَاةٍ ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ الْخَطَّابِيِّ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَالْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ تُبِيحُ السَّلَامَ عَلَى الْمُصَلِّي وَالرَّدَّ بِالْإِشَارَةِ وَهِيَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ " انتهى من "المجموع شرح المهذب" (4/ 104) .
وقال ابن الأثير رحمه الله :
" الغِرَارُ : النُّقصان ، وغِرَار النَّوم : قِلَّتُه .، ويُريد بغِرَار الصَّلاة : نُقْصانَ هَيْآتها وأركانِها . وغرَارُ التَّسليم : أن يقول المُجِيبُ : وعَلَيْك ، ولا يقول : السَّلام . وقيل : أراد بالغرار : النَّوْم ؛ أي ليْسَ في الصلاة نوم ، و" التسليم " يُرْوَى بالنَّصْب والجِرّ فَمَنْ جَرَّه كان معطُوفا على الصلاة كما تقدم ، ومن نصب كان معطوفا على الغِرَار ويكون المعنى : لا نَقْصَ ولا تَسْليمَ في صلاة ، لأن الكلام في الصلاة بَغْير كلامها لا يجوز " انتهى من "النهاية" (3 /661) .
فيتلخص لنا من كلام أهل العلم المتقدم أن قوله صلى الله عليه وسلم ( لا غرار في صلاة ) معناه : لا يخرج منها وهو شاك فيها ، بل يخرج وهو متيقن من تمامها ، فإن شك في النقصان ، بنى على الأقل حتى يستيقن أنه لا نقص في صلاته ، وقد روى مسلم (571) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ ) .
ومن الغرار فيها أن ينقص من ركوعها وسجودها وطمأنينتها ؛ لأن ذلك نقص فيها ، فعليه أن يطمئن فيها ويتم ركوعها وسجودها .
وبالجملة : عليه أن يأتي بصلاته على التمام بدون نقص بأي وجه من الوجوه .
وأما قوله : ( ولا تسليم ) فيُرْوَى بالنَّصْب والجِرّ ، فَمَنْ جَرَّه كان معطُوفا على الصلاة ، ويكون المعنى : لا نقص في السلام ؛ بل يوفي التحية حقها في الرد ، فإذا سلم عليه أخوه المسلم رد بأحسن مما سلم أو بمثله .
ومن نصبه كان معطوفا على الغِرَار ، ويكون المعنى : لا نَقْصَ ولا تَسْليمَ في صلاة ، فلا يسلم المصلى على أحد ولا يسلم عليه أحد ؛ لئلا يشغله في صلاته ، فإن سلم عليه أحد رد بالإشارة ، ولعل الوجه الأول أولى .
راجع جواب السؤال رقم : (114225) .
والله تعالى أعلم .
تعليق