الحمد لله.
تقدم في جواب السؤال رقم : (105349) بيان أن للأسباب تأثيرا في مسبباتها ، وجودا وعدما ، من حيث جعل الله تعالى فيها قوة التأثير ، ثم السبب ، ومسببه : كل ذلك مخلوق بقدرة الله تعالى ، فإن شاء أمضى تأثيره ، فوقع المسبب ، وإن شاء منع ذلك ؛ فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وليس للأسباب ، ولا لغيرها من المخلوقات تأثير في شيء من كون الله وخلقه ، على جهة الاستقلال ، بل الكل مربوب له سبحانه ، مسير بأمره الكوني .
وتغيرات الجو التي ذكرتها : هي سبب من الأسباب التي جعل الله فيها قوة التأثر ، وإحداث ما يجد الناس من الزكام ونزلات البرد ؛ وربط المسببات بأسبابها هو مقتضى الحكمة التي يتصف بها الرب تعالى .
فمن قال إن تغير الجو سبب من أسباب حصول الزكام ، معتقدا أن هذا من تقدير الله : فقد أصاب ، ولا حرج عليه فيما قال أو اعتقد من ذلك .
لكن الخطأ في ذلك أن يعتقد أن السبب مؤثر بذاته ، أو يرد الأمر إليه ، ويغفل عند تقدير الله وخلقه ، وحكمته في كونه .
ومثل ذلك في الخطأ أيضا : أن ينفي تأثير الأسباب في مسبباتها ، التي جعله الله سببا لها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الناس في الأسباب طرفان ووسط :
فالطرف الأول : نفاة أنكروا تأثير الأسباب ، وجعلوها مجرد علامات يحصل الشيء عندها ، لا بها، حتى قالوا : إن انكسار الزجاجة بالحجر ، إذا رميته به : حصل عند الإصابة ، لا بها .
وهؤلاء خالفوا السمع ، وكابروا الحس ، وأنكروا حكمة الله تعالى في ربط المسببات بأسبابها .
والطرف الثاني : غلاة أثبتوا تأثير الأسباب ، لكنهم غلوا في ذلك وجعلوها مؤثرة بذاتها .
وهؤلاء وقعوا في الشرك ، حيث أثبتوا موجدا مع الله تعالى ، وخالفوا السمع ، والحس ، فقد دل الكتاب ، والسنة ، وإجماع الأمة على أنه لا خالق إلا الله ، كما أننا نعلم بالشاهد المحسوس أن الأسباب قد تتخلف عنها مسبباتها بإذن الله ، كما في تخلف إحراق النار لإبراهيم الخليل حين ألقي فيها فقال الله تعالى : ( يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) الأنبياء/69 ، فكانت بردا وسلاما عليه ولم يحترق بها.
وأما الوسط : فهم الذين هدوا إلى الحق ، وتوسطوا بين الفريقين ، وأخذوا بما مع كل واحد منهما من الحق ، فأثبتوا للأسباب تأثيرا في مسبباتها ، لكن لا بذاتها بل بما أودعه الله تعالى فيها من القوى الموجبة " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (4 /207-208) .
والله تعالى أعلم .
تعليق