الحمد لله.
أولا :
روى البخاري (1359) ، ومسلم (2658) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أو يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ) ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ ) الروم/ 30 .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
" كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم ، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (5/ 107) .
ثانيا :
لا فرق بين ملة من ملل الكفر ، وملة أخرى ، فالكل سواء في مخالفة فطرة الله التي فطر الناس عليها ، قال الله تعالى : ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) البقرة/ 120 ، وقال عز وجل : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) الكافرون/ 1 – 6 .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
" الكفر ملة واحدة ؛ لقوله تعالى: (ملتهم) ؛ وهو باعتبار مضادة الإسلام ملة واحدة؛ أما باعتبار أنواعه فإنه ملل: اليهودية ملة ؛ والنصرانية ملة ؛ والبوذية ملة ؛ وهكذا بقية الملل؛ ولكن كل هذه الملل باعتبار مضادة الإسلام تعتبر ملة واحدة ؛ لأنه يصدق عليها اسم الكفر؛ فتكون جنساً ، والملل أنواعاً " .
انتهى من "تفسير ابن عثيمين" - الفاتحة والبقرة (2/ 32) - بترقيم الشاملة .
ثالثا :
قوله في الحديث ( فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أو يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ
يُمَجِّسَانِهِ ) أي يعلمانه اليهودية أو النصرانية أو المجوسية ، ويجعلانه كذلك .
وإنما ذكر هذه الثلاثة : لأنها أعظم أديان الناس يومئذ ، وأكثر الناس تبع لها ،
فذكرها باعتبار الغلبة والشهرة ، ودل بها على ما سواها من الأديان .
وقد جاء في رواية لمسلم
(2658)، والترمذي (2138) : ( ... فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ
وَيُشَرِّكَانِهِ ) .
قال في "تحفة الأحوذي" (6/ 287):
" أَيْ يُعَلِّمَانِهِ الشِّرْكَ وَيَجْعَلَانِهِ مُشْرِكًا " انتهى .
فهذه الرواية تدل دلالة صريحة على أن المراد عموم الديانات الأخرى غير الإسلام ، لا
مجرد هذه الديانات الثلاث وحسب ؛ ولذلك قال تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ
الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/ 85 .
راجع للفائدة جواب السؤال
رقم : (21525) ، (175339)
.
والله تعالى أعلم .
تعليق