السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

حكم من قال تساهلا : " إني أتفكر في مخلوقات الله " حال نظره للنساء الأجنبيات

200842

تاريخ النشر : 16-08-2013

المشاهدات : 10014

السؤال


لي صديق كان يتبادل الحديث مع صديق آخر عن طريق أحد " المجموعات " (الجروبات) في برامج التواصل في الأجهزة الذكية ، وذكر استطرادا قصة ذهابهم إلى أحد الأماكن أثناء سفرهم خارج المملكة العربية السعودية ، وما في ذلك المكان من نساء في كامل زينتهن ، ووقوفه متفرجا عليهن . فأنكرتُ عليه ذلك ، كوننا في مكان عام " جروب " ، وأنه يجب ألا يجاهر بما فعله ؛ لأن نظره محرم ، فقال : بتساهل وعدم مبالاة : إني كنت أتفكر في مخلوقات الله . أو فيما معناه . استفزني كثيرا كلامه الأخير ، وأحببت أن أسأل عن ما قاله ، وما إذا كانت هذه الكلمة فعلا خطيرة ؟

الجواب

الحمد لله.


النظر إلى النساء من آفات العين المهلكة ، وهي من أخطر العادات السيئة ، تكمن خطورتها في سهولتها وانتشارها ، الأمر الذي يؤدي إلى اعتيادها ، وتجاوزها رقابة الوازع الشرعي ، فتتراكم آثارها مع تعاقب الأزمان ، وتؤدي بصاحبها إلى المهالك الخطيرة ، مثل استحلال المعصية ، وتشرب القلب لها ومحبتها ، فلا ينكر ما حرمه الله ، ولا يفر من غضب الله ، ولا تعود للقلب حياته ، وتنطفئ أنوار الاستقامة فيه ، حتى يلتبس عليه الحق بالباطل . ومن استوت عنده معصية النظر ، بطاعة العفة وغض البصر : حري به أن يستوي لديه الهداية والضلال ، ولو بعد حين .
وما نرى صديقك الذي تسأل عن حاله إلا قد ابتلي بزنا العين الذي ينفذ إلى القلب بسمومه ورجسه ، فينتقل الحال به إلى طلب تلك المعصية ، بدلا من الاستغفار لها والتوبة منها ، ثم يبدأ يجاهر بعيبه وفساده ، إلى أن يتشبع قلبه ما أشربه ، فيستنكر نصيحة صديقه له ، ويفتش عن تأويلات فاسدة لما يرتكبه ، فيقول مثل تلك العبارات ، قاصدا أو مازحا أو متؤولا ، كلها في السوء سواء ، ويتضاعف بها الإثم واستحقاق العذاب عند الله عز وجل .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وكذلك مقدمات الفاحشة عند التلذذ بالنظر إلى المرأة الأجنبية ، هو حرام باتفاق المسلمين ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( العينان تزنيان وزناهما النظر ) [مسند أحمد (7/28)] فإذا كان المستحل لما حرم الله كافرا ، فكيف بمن يجعله قربة وطريقا إلى الله تعالى . قال الله تعالى : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/28...فكيف بمن يستحل إتيان الفاحشة الكبرى أو ما دونها ويجعل ذلك عبادة وطريقا ، وإن كان طائفة من المتفلسفة ومن وافقهم من ضلال المتنسكة : جعلوا عشق الصور الجميلة من جملة الطريق التي تزكّى بها النفوس ، فليس هذا من دين المسلمين ولا اليهود ولا النصارى ، وإنما هو دين أهل الشرك الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله " انتهى من " مجموع الفتاوى " (11/ 543) .
ويقول أيضا رحمه الله :
" إن الرجل لو جعل النظر إلى امرأته في الصلاة أو الصيام أو الاعتكاف من جملة العبادة : كان مبتدعا ، بل كان هذا كفرا ، فكيف إذا جعل النظر إلى المرأة الأجنبية أو الأمرد في الصلاة من جملة العبادات ، كما يفعله بعضهم ، وقد أوقد شمعة على وجه الأمرد ، فيستجليه في صلاته ، ويعد ذلك من عباداته ، هذا من أعظم تبديل الدين ومتابعة الشياطين .
وهذا إذا كان العمل عبادة في نفسه كالصلاة والصيام ، فكيف إذا كان العمل بدعة عظيمة ، وهو سماع المكاء والتصدية ، وضم إليه مشاهدة الصور الجميلة ، وجعل سماع هذه الأصوات ورؤية هذه الصور من العبادات ، فهذا من جنس دين المشركين " .
انتهى من " الاستقامة " (1/317) .
ويقول ابن القيم رحمه الله :
" وإنما تستَّرَت هذه الطائفة لهواها وشهواتها ، وأوهمت أنها تنظر عبرة واستدلالا ، حتى آل ببعضهم الأمر إلى أن ظنوا أن نظرهم عبادة ؛ لأنهم ينظرون إلى مظاهر الجمال الإلهي ، ويزعمون أن الله - سبحانه وتعالى عن قول إخوان النصارى - يظهر في تلك الصورة الجميلة ، ويجعلون هذا طريقا إلى الله ، كما وقع فيه طوائف كثيرة ممن يدعي المعرفة والسلوك .... وحكى لي شيخنا أن رجلا من هؤلاء مر به شاب جميل ، فجعل يتبعه بصره ، فأنكر عليه جليس له ، وقال : لا يصلح هذا لمثلك ، فقال : إني أرى فيه صفات معبودي ، وهو مظهر من مظاهر جماله ، فقال : لقد فعلت به وصنعت ، فقال شيخنا : فلعن الله أمة معبودها موطوؤها " .
انتهى من " روضة المحبين " (ص122-123) .

فالخلاصة : أن صديقك قد لا يكون أراد ما يقصده هؤلاء الضلال الذين حكى عنهم شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله ، ولكنه أطلق ما يشبه أقوالهم ، فالواجب عليه التوبة مما تلفظ به ، وقبل ذلك التوبة من معصية النظر ، والحذر الحذر من الشيطان وشركه ، فلا يجعل على نفسه سبيلا بالنظر المحرم ، فتتوارد إلى قلبه الشبهات والشهوات فيقع فيما هو أعظم وأفحش .

يقول ابن القيم رحمه الله – في معرض ذكر آفات المعصية وآثارها على العباد -:
" ومنها : ظلمة يجدها في قلبه حقيقة ، يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم ، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره ، فإن الطاعة نور ، والمعصية ظلمة ، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته ، حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر ، كأعمى أخرج في ظلمة الليل يمشي وحده . وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ، ثم تقوى حتى تعلو الوجه ، وتصير سوادا في الوجه حتى يراه كل أحد ، قال عبد الله بن عباس : إن للحسنة ضياء في الوجه ، ونورا في القلب ، وسعة في الرزق ، وقوة في البدن ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سوادا في الوجه ، وظلمة في القبر والقلب ، ووهنا في البدن ، ونقصا في الرزق ، وبغضة في قلوب الخلق " انتهى من " الجواب الكافي " (ص/54) .
وقد سبق في موقعنا العديد من المباحث المهمة في فوائد غض البصر والوسائل المعينة عليه ، يمكن مراجعتها في الفتوى رقم : (20229) ، (85622) ، (114196) ، (138582) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب