الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

الستر على أصحاب المعاصي فيه تفصيل.

201472

تاريخ النشر : 03-08-2013

المشاهدات : 49113

السؤال


أعمل في قسم الطوارئ ، جاءت إلينا فتاه تعرضت لحادث سيارة مع شاب ، قال لنا الشاب : إنه لا يمت لها بصله ، وإنهم خرجوا في خلوه غير شرعيه . هنا اختلفت مع زميلاتي. هل نبلغ الهيئة ، أم الستر أولى ؟ وهل نأثم في عدم تبليغنا ، من باب السكوت عن المنكر ، أم نقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاءه الذي زنا فأعرض عنه ؟

الجواب

الحمد لله.


إذا ثبت أن المرأة فعلاً قد وقعت في معصية مع هذا الرجل ، فإن كانت غير مشتهرة بهذا الأمر وإنما زلة وقعت فيها ، فالأفضل الستر عليها وعدم رفع أمرها لجهة الاختصاص ، مع نصحها وتذكيرها ودعوتها وإرشادها وبيان خطورة ما أقدمت عليه وما يترتب عليه من مفاسد ، فإن أنابت وندمت واستغفرت ووعدت بعدم الرجوع إلى مثل ذلك استحب الستر عليها .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَاللَّهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ ). رواه مسلم ( 2699 ) .
أما إذا كانت هذه المرأة معروفة بالشر والفساد ، مع إصرارها على ما هي عليه ، ولم تظهر توبة ولا ندما، فلا شك أن رفع أمرها إلى جهة الاختصاص أولى ، بل قد يكون واجباً لأجل تأديبها والأخذ على يدها حتى لا تفكر بالعودة لمثله أبداً .
قال ابن رجب رحمه الله بعد أن ساق جملة من الأحاديث الدالة على ستر صاحب المعصية وعدم فضحه :
واعلم أنَّ النَّاس على ضربين :
أحدهما: من كان مستوراً لا يُعرف بشيءٍ مِنَ المعاصي ، فإذا وقعت منه هفوةٌ ، أو زلَّةٌ ، فإنَّه لا يجوزُ كشفها ، ولا هتكُها ، ولا التَّحدُّث بها ؛ لأنَّ ذلك غيبةٌ محرَّمة ، وهذا هو الذي وردت فيه النُّصوصُ ، وفي ذلك قد قال الله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ).
والمراد: إشاعةُ الفَاحِشَةِ على المؤمن المستتر فيما وقع منه ، أو اتُّهِمَ به وهو بريء منه ، كما في قصَّة الإفك .
قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمرُ بالمعروف : اجتهد أن تستُرَ العُصَاةَ ، فإنَّ ظهورَ معاصيهم عيبٌ في أهل الإسلام ، وأولى الأمور ستر العيوب ، ومثل هذا لو جاء تائباً نادماً، وأقرَّ بحدٍّ ، ولم يفسِّرْهُ ، لم يُستفسر، بل يُؤمَر بأنْ يرجع ويستُر نفسه ، كما أمر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ماعزاً والغامدية ، وكما لم يُستفسر الذي قال : ( أصبتُ حدّاً، فأقمه عليَّ ).
ومثلُ هذا لو أخذَ بجريمته ، ولم يبلغِ الإمامَ، فإنَّه يُشفع له حتّى لا يبلغ الإمام .
وفي مثله جاء الحديثُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ) . خرَّجه أبو داود والنَّسائي مِن حديث عائشة .
والثاني : من كان مشتهراً بالمعاصي ، معلناً بها لا يُبالي بما ارتكبَ منها، ولا بما قيل له ، فهذا هو الفاجرُ المُعلِنُ ، وليس له غيبة ، كما نصَّ على ذلك الحسنُ البصريُّ وغيره ، ومثلُ هذا لا بأس بالبحث عن أمره ، لِتُقامَ عليه الحدودُ ، صرَّح بذلك بعضُ أصحابنا، واستدلَّ بقولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( واغدُ يا أُنيس على امرأةِ هذا ، فإنِ اعترفت ، فارجُمها ). ومثلُ هذا لا يُشفَعُ له إذا أُخِذَ ، ولو لم يبلغِ السُّلطان ، بل يُترك حتّى يُقامَ عليه الحدُّ لينكفَّ شرُّه ، ويرتدعَ به أمثالُه .
قال مالك : من لم يُعْرَفْ منه أذى للناس ، وإنَّما كانت منه زلَّةٌ ، فلا بأس أنْ يُشفع له ما لم يبلغ الإمام ، وأمَّا من عُرِفَ بشرٍّ أو فسادٍ ، فلا أحبُّ أنْ يشفعَ له أحدٌ ، ولكن يترك حتى يُقام عليه الحدُّ ، حكاه ابن المنذر وغيره..." انتهى من "جامع العلوم والحكم"(1/341).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والمراد بالستر: هو إخفاء العيب ، ولكن الستر لا يكون محمودا إلا إذا كان فيه مصلحة ولم يتضمن مفسده ، فمثلاً : المجرم ؛ إذا أجرم : لا نستر عليه إذا كان معروفاً بالشر والفساد ، ولكن الرجل الذي يكون مستقيماً في ظاهره ، ثم فعل ما لا يحل فهنا قد يكون الستر مطلوباً ؛ فالستر ينظر فيه إلى المصلحة ، فالإنسان المعروف بالشر والفساد لا ينبغي ستره ، والإنسان المستقيم في ظاهره ، ولكن جرى منه ما جرى : هذا هو الذي يسن ستره " انتهى من شرح "الأربعين النووية"(1/172) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب