الحمد لله.
يشرع الستر على المسلم إذا وقع في المعصية ، ونصحه ، والدعاء له بالهداية .
ولكن إذا كان معروفاً بارتكاب الكبائر وسوء الخلق والعشرة ، وأراد معاملة أحد من الناس بعقد شراكة أو زواج ، فالواجب على من يعلم حاله أن ينصح الطرف الآخر ويبين له حقيقة هذا الرجل ، وما هو عليه من ذميم الصفات والأفعال ، وهذا من النصيحة الواجبة ، وليست من الغيبة المحرمة .
وقد روى مسلم (55) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) .
قُلْنَا لِمَنْ ؟
قال : ( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) .
قال ابن الأثير رحمه الله : " نَصيحة عامّة المسلمين : إرشادُهم إلى مصالِحِهم " .
انتهى من "النهاية" (5 /142) .
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" يَجِبُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ عَلِمَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبًا أَنْ يُخْبِرَ بِهِ مُرِيدَ أَخْذِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهَا ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا رَأَى إنْسَانًا يَخْطبُ امْرَأَةً وَيَعْلَمُ بِهَا أَوْ بِهِ عَيْبًا ، أَوْ رَأَى إنْسَانًا يُرِيدُ أَنْ يُخَالِطَ آخَرَ لِمُعَامَلَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ أَوْ قِرَاءَةِ نَحْوِ عِلْمٍ وَعَلِمَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا أَنْ يُخْبِرَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَشَرْ بِهِ ، كُلُّ ذَلِكَ أَدَاءٌ لِلنَّصِيحَةِ الْمُتَأَكِّدِ وُجُوبُهَا لِخَاصَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " .
انتهى من " الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2 /127) .
وقال ابن باز رحمه الله : " وهذا ليس من باب الغيبة ولا من باب النميمة ، لكنه من باب النصيحة لله ولعباده ، فالناصح لا يسمى مغتابا .
والنبي صلى الله عليه وسلم جاءته فاطمة بنت قيس، تقول: يا رسول الله إنه خطبني فلان، وخطبني فلان، نصحها، وقال لها: أما فلان فلا يضع عصاه عن عاتقه - أي ضراب للنساء - وأما فلان فصعلوك لا مال له ) رواه مسلم ، فنصحها ولم يكن هذا غيبة مع أنه سماهم، قال: فلان وفلان، معاوية وأبو جهم.
فالمقصود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصحها وبين أن هذين الرجلين لا يصلحان لها، وأشار عليها بأسامة بن زيد، فدل ذلك على أن الناصح لا يسمى مغتابا ولا نماما، يقول لك: لا تقرب فلانا ولا تجالس فلانا ؛ لأنه يفعل كيت وكيت ، وأخشى عليك منه فلا حرج في هذا " انتهى باختصار من "فتاوى نور على الدرب" (2/ 375-376) .
ولا يتعارض هذا مع حث الشريعة على الستر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فإن المراد بذلك من كان في ستره مصلحة ، وأما من كان ستره يزيده في الشر والتوغل في العدوان فإن ستره في هذه الحال لا يجوز " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (21/ 2) بترقيم الشاملة .
وينظر جواب السؤال رقم : (111911) .
فعلى ما تقدم :
فمن حق هذه المرأة عليك أن تبيني لها حال هذا الزوج ، لأن ذلك من النصيحة الواجبة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) ، ولا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ، وحتى يكره لأخيه ما يكره لنفسه من الشر .
وكان ينبغي عليك أن تبادري بالنصيحة قبل عقده عليها ، إلا أن حصول العقد لا يسقط حقها من النصح والبيان .
فعليك أن تبيني لها حاله السيئة في الدين والخلق ، وأن تجتهدي كثيراً في مجاهدة نفسك على أن لا يكون الحامل لك على هذا البيان : الغيرة من الزوجة الثانية ، أو السعي في إفشال الزواج الثاني ، وإنما يكون الباعث لك على ذلك : النصيحة المحضة التي تريدين بها وجه الله .
وعليك استعمال الحكمة في هذه النصيحة حتى لا يظهر لأحد أنك إنما تفعلين ذلك مضارة بها .
والله أعلم .
تعليق