الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل يحاسب من تسبب في قتل شخص مع أن الموت يكون بقدر الله ؟

202168

تاريخ النشر : 21-07-2014

المشاهدات : 49583

السؤال


من الأمور المسَلم بها أن كل شيء يحدث بقدر الله تعالي ، لدي سؤال يتعلق بوالدي والذي مات في حادث العام الماضي ؛ حيث صدمه رجلان كانا يستقلان دراجة نارية بسرعة فائقة ، وتوفي علي إثر هذا الصدام في المستشفي ، هذه الحادثة حدثت لأن الله تعالي قدرها . أود أن أعرف : هل سيحاسب هذان الرجلان اللذان صدما والدي أم لا، ولو أنهما سيحاسبان فلماذا ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
نسأل الله تعالى أن يثبتك على الرضى والإيمان بالقدر ، خيره وشره ، فهو من أعظم نعم الله على عبده .
وأما ما جرى لوالدك في هذا الحادث الأليم فهو قتل خطأ ، نتيجة السرعة الزائدة ؛ فعلى قائد الدراجة الناريَّة : الدِّيَة والكفَّارة ، مع الإثم ، فيما بينه وبين الله ، إذا كان مفرطا في تعديه للسرعة المقررة ؛ لقول الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا ) النساء/ 92 .
وللاستزادة ينظر جواب سؤال رقم : (52809) .

ثانيا :
وأما كون قائد الدراجة يحاسب على ذلك ، فمن المتقرِّر في الشريعة أنَّ جميعَ العباد محاسَبون على أعمالهم يومَ القيامة ، خيرِها وشرِّها ، وأنَّ الله تعالى سيجازيهم عليها بالثواب أو العقاب ؛ كما قال تعالى: ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) الأنبياء/ 47 .
لكن مَن تاب من عمله السيّء ، وصدقَ في توبته ؛ فإنَّ الله تعالى يقبل التوبة عن عباده ؛ كما قال سبحانه: ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/25 .

فقائد الدراجة الناريَّة إذا كان قد تعدى السرعة المسموح لمثلها بأن يقود بها ، أو التي يتمكن منها مثله من التحكم في دراجته ، بحيث تسبَّب ذلك في وقوع هذا الحادث ؛ فهو آثِمٌ على عدوانه ، وتسبُّبِه في قتل نفس مسلمة ؛ فإن تابَ وأنابَ تابَ الله عليه ، ويلزمه لقبول التوبة إضافة إلى الندم : العزم على عدم العود إلى هذا الفعل.

والكفَّارة الملزَم بها والتي أوجبَها الله تعالى عليه هي أيضًا : " توبة من الله على عباده ورحمة بهم ، وتكفير لِمَا عساه أن يحصل منهم من تقصير وعدم احتراز ، كما هو واقع كثيرًا للقاتل خطأ" .
انتهى من " تفسير السعدي " (ص 192) ؛ كما قال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ) ، إلى أن قال: ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء/ 92 .

ثالثا :
لا تعارض بين أن يكون هذا الحادث حصل بقضاء الله وقدره ، فالعبد يحاسَب على عمله الذي باختياره ، وهو هنا تفريطه في السير بسرعة زائدة ، وكون الله علم هذا وقدره من الأزل : لا ينفي وقوع هذا العمل بفعل الإنسان، إما باختياره عن إرادة تامة لما يأتيه من المعاصي والمخالفات ، وإما بتركه الواجب عليه من الاحتياط والتحرز ، أو فعله ما لا يحق له ، كقيادته بالسرعة الزائدة ، أو سيره في طريق مخالف ، وكل هذا عمل العبد وسعيه وكسبه ، يُسْأل عنه في الدنيا ، ويحاسب عليه عند الله .
مع أن مثل هذا ليس قتلا متعمدا للنفس ، ولا يتعلق به شيء من أحكام القتل العمد ، الذي هو كبيرة عظيمة بنفسه ، ولا يعامل معاملته في الدنيا ، ولا يحاسب حسابه في الآخرة .

ومن أصول الإيمان بالقدر أنَّ الله تعالى جعلَ للعبد اختيارًا وقُدرة بهما يكون الفعل ؛ كما قال تعالى: ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) التكوير/ 28 ، وقال: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ) الكهف/ 29 .
وجعلَ عملَ العبد كسبًا له ، ولم يكلِّفه بما لا يستطيع أو يطيق ؛ بل مدحَ المُحْسِن على إحسانه ، وذَمَّ المُسيءَ على إساءته .
كما قال تعالى : ( الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ) غافر/ 17 .
وقال: ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) الإنسان/ 3 .
وقال: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/ 286 .

ولولا تقرر هذا الأصل : لبطل الأمر والنهي ، بل بطلت الشرائع والقوانين كلها ، وأوشك من شاء أن يفعل ما شاء ، لا وازع له ولا ضابط ولا مانع ، ولبطل الثواب والعقاب ، وفسد أمر الدنيا والآخرة .

فالعبد إنما يحاسب على عمله الذي عمله في الدنيا ، وكانت له القدرة عليه ، والاختيار له ، وكان بإمكانه أن يفعل ، لو شاء ، ولا يحاسب على قدر الله السابق فيه .

وللاستزادة حول هذا الموضوع يراجع السؤال رقم : (49039) ، و (49004) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب