الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

الجهل الذي يعذر صاحبه هو الجهل بالحكم لا بالعقوبة

20237

تاريخ النشر : 15-03-2004

المشاهدات : 114330

السؤال

أعرف أن ترك الصلاة عمداً بسبب الكسل يعتبر كفراً أكبر  والشخص الذي يفعل ذلك يعتبر كافراً إلا إذا كان لديه عذر الجهل ، ولكن ماذا يعنى عذر الجهل ؟ جهل أن الصلاة فرض ؟ أم الجهل بحقيقة أن ترك الصلاة عمداً كفر ؟ أرجوك وضح لي مع بعض الاقتباسات من علماء السلف .

الجواب

الحمد لله.

الجهل الذي يعذر به صاحبه هو الجهل بالحكم ، فمن ترك واجباً وهو لا يعلم أنه واجب ، أو فعل محرماً وهو لا يعلم أنه محرم فهذا هو الجاهل الذي يعذر بجهله .

أما من علم أن هذا الفعل محرم ففعله وهو يجهل العقوبة المترتبة عليه ، فهذا لا يعتبر عذراً ، لأن صاحبه أقدم على المعصية وانتهك الحرمة وهو يعلم .

فمن زنى – مثلاً – وهو لا يدري أن الزنى حرام ، فلا شيء عليه ، ويعذر بجهله .

أما من علم أن الزنى حرام ولكنه جهل أن الزاني عليه الحد فهذا لا يعذر ، ويجب إقامة حد الزاني عليه ، إذا توفرت شروط إقامته .

وكذلك من ترك الصلاة وهو يجهل أنها فرض ، فهذا يعذر بجهله ولا يكفر ، أما من تركها وهو يعلم أن تركها حرام ولكن لا يعلم أن تركها كفر فهذا لا يعذر .

وهذه أدلة ما سبق مع أقوال أهل العلم :

‌أ. منْ كان جاهلاً بالحكم المنهيِّ عنه ، وفعله ، وكان في إتيانه حدٌّ أو كفارةٌ : فلا شيء عليه .

والدليل : قوله صلى الله عليه وسلم لمن اعترف على نفسه بالزنا " فهلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا ؟ ". رواه أبو داود ( 4428 ) ، والحديث أصله في الصحيحين .

قال ابن القيم - وصحَّحَ رواية أبي داود – فيه : أنَّ الحدَّ لا يجب على جاهلٍ بالتحريم ؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم سأله عن حكم الزنى ، فقال " أَتَيْتُ مِنْها حَرَاماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً . اهـ. "زاد المعاد " ( 5 / 33 ) .

‌ب. وإن كان عالماً بالتحريم ، جاهلاً بما يترتب عليه من حد أو كفارة أو غير ذلك : فيجب إقامةُ الحدِّ عليه لجرأته على فعل الحرام ، ويجب عليه إخراج الكفارة إن كان الذنب له كفارة .

والدليل : حديث " ماعز " - رضي الله عنه - واعترافه على نفسه بالزنى ، وفيه قوله " يَا قَوْمِ رُدُّوني إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فإنَّ قَوْمي قَتَلُوني وَغَرُّوني مِنْ نَفْسِي " رواه أبو داود ( 4420 ) وجوّد إسنادَه الألبانيُّ رحمه الله في " الإرواء " ( 7 / 354 ) ، فهذا الصحابي رضي الله عنه كان عالماً بالتحريم جاهلاً بالعقوبة .

قال ابن القيم رحمه الله : وفيه : أنَّ الجهل بالعقوبة لا يُسقِط الحدَّ إن كان عالماً بالتحريم فإنَّ "ماعزاً" لم يعلم أنَّ عقوبته القتل ، ولم يُسقط هذا الجهلُ الحدَّ عنه.  " زاد المعاد " ( 5 / 34 ) .

وكذلك الصحابي الذي جامع امرأته في نهار رمضان حيث كان عامداً عالماً بحرمته – كما قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " ( 4 / 207 ) - بدليل قوله " هَلَكْتُ " ، وفي رواية " احْتَرَقْتُ " ، فقد أوجب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه الكفارة ولم يعذره بجهله بها ، رواه البخاري ( 1834 ) ومسلم ( 1111 ) .

وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -

فإن قال قائل : الرجل الذي جاء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أليس جاهلاً؟

فالجواب : هو جاهل بما يجب عليه ، وليس جاهلاً أنه حرام ، ولهذا يقول " هلكت " ، ونحن إذا قلنا إن الجهل عذر ، فليس مرادنا أن الجهل بما يترتب على هذا الفعل المحرم ، ولكن مرادنا الجهل بهذا الفعل ، هل هو حرام أو ليس بحرام، ولهذا لو أن أحداً زنى جاهلاً بالتحريم، وهو ممن عاش في غير البلاد الإسلامية، بأن يكون حديث عهد بالإسلام ، أو عاش في بادية بعيدة لا يعلمون أن الزنى محرّم فزنى فإنه لا حدّ عليه ، لكن لو كان يعلم أنّ الزنى حرام ، ولا يعلم أن حده الرجم ، أو أن حده الجلد والتغريب ، فإنه يحد لأنه انتهك الحرمة ، فالجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام ، هذا عذر." اهـ. الشرح الممتع (6/417)

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب