الحمد لله.
اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله ، ومثل هذا الأمر العظيم لا يثبت في حق شخص إلا بالدليل الشرعي ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الإنسان على نفسه ، في صحيح مسلم : " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يلعن بعيره لما تباطأ في المشي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من هذا اللاعن بعيره ؟ ) ، قال : أنا يا رسول الله ، قال : ( انزل عنه ، فلا تصحبنا بملعون ، ولا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم ) رواه مسلم ( 3014 ) .
وهذه المرأة آثمة بلعنها نفسها بغير سبب ، فالواجب عليها أن تتقي الله وتتوب من هذا الفعل .
وأما عدم رؤيتها لأمها بحسب ما ذكر في السؤال : فلا إثم عليها فيها لأنه أمر خارج عن إرادتها ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
نعم ؛ الواجب عليها أن تسعى لرؤية أمها ، والإحسان إليها ، وتتوسل إلى ذلك بكل سبيل يمكنها ، وتتضرع إلى الله أن يجمع شملها بأمها ، ولا يحل لها أن تقاطعها طاعة لأبيها ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا يحل لزوجها ـ كذلك ـ أن يلتزم بما طلبه منه أبوها ، لأنه بغي وعدوان ، وشرط باطل ليس في كتاب الله ، بل هو إثم وبغي وقطيعة رحم . فإن تيسر لها ذلك فالحمد لله على ما من ويسر من جمع شملها ، وإن عجزت عن ذلك ، ولم تستطع : فالله عز وجل يعلم حالها وعجزها ، ولا إثم عليها في ذلك ، ولا لوم ؛ ثم لا ينبغي أن تيأس أيضا ؛ فمن يدري ما الذي يكون من أمر الناس غدا ؟!
فقد يجمع الله الشتيتين بعد مَا * يظنان كل الظَّن أَن لَا تلاقيا !!
كما ننصح والدها ، وإخوانها ، وزوجها ممن يمنعونها من رؤية أمها : أن يتقوا الله في أنفسهم ؛ فأي إثم أعظم من أن تمنع ابنة من رؤية أمها ، وتحرم من ذلك دون ذنب ، مع ما للأم من عظيم حق على ابنتها يفوق حق الأب ، ومثل هذا من الظلم العظيم الذي تخشى عقوبته في الدنيا قبل الآخرة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الظلم , فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) رواه مسلم (2578) , وقال عليه الصلاة والسلام عن الله عز وجل أنه قال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي , وجعلته بينكم محرما , فلا تظالموا ) رواه مسلم (2577) "
والله اعلم.
تعليق