الحمد لله.
أولا :
التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ، كشعره وعرقه وسؤره جائز باتفاق أهل العلم ؛ لما ثبت من الأحاديث الصحيحة في ذلك .
وهذه الفضيلة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وليست لأحد غيره ، فلا يقاس غيره عليه .
وقد جعل الله تعالى في آثاره صلى الله عليه وسلم البركة ، وما يرجى به الخير والنفع في الدنيا والآخرة ، وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم التماس البركة في آثاره ، وليس ذلك من الشرك - والعياذ بالله - لأنه من الأخذ بالأسباب الشرعية ، ولأن الذي أجازه هو الذي حارب الشرك ومنع كل الطرق المؤدية إليه ، بخلاف التبرك بآثار غيره ، فإنه بدعة مخالفة لهدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ذريعة إلى التعلق الشركي بغير الله تعالى .
وينظر إجابة السؤال رقم : (100105) ، والسؤال رقم : (158714).
ثانيا :
روى الحاكم في "المستدرك" (5299) ، والطبراني في "الكبير" (3804) ، وأبو يعلى في مسنده (7183) من طريق هُشَيْم ، ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ : " أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، فَقَدْ قَلَنْسُوَةً لَهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَقَالَ: اطْلُبُوهَا فَلَمْ يَجِدُوهَا، ثُمَّ طَلَبُوهَا فَوَجَدُوهَا، وَإِذَا هِيَ قَلَنْسُوَةٌ خَلِقَةٌ ، فَقَالَ خَالِدٌ: " اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ ، وَابْتَدَرَ النَّاسُ جَوَانِبَ شَعْرِهِ ، فَسَبَقْتُهُمْ إِلَى نَاصِيَتِهِ فَجَعَلْتُهَا فِي هَذِهِ الْقَلَنْسُوَةِ ، فَلَمْ أَشْهَدْ قِتَالًا وَهِيَ مَعِي إِلَّا رُزِقْتُ النَّصْرَ " .
سكت عنه الحاكم ، وأعله الذهبي بالانقطاع ، وهو الصحيح ؛ فإن جعفرا هذا ، وهو ابن عبد الله بن الحكم بن رافع ، إنما يروي عن صغار الصحابة كأنس ، ومحمود بن لبيد ، كما في "التهذيب" (2/99) ، وخالد بن الوليد رضي الله عنه قديم الوفاة ، فقد توفي في خلافة عمر رضي الله عنه - كما في "طبقات ابن سعد" (7/ 279) ، و "أسد الغابة" (2/140) ، فلا يتهيأ لجعفر إدراكه والسماع منه ؛ ولذلك قال البخاري في " التاريخ الكبير" (2/195) في ترجمة جعفر هذا : " رأى أنسا " ، وهذا مشعر أنه لم يدرك كبار الصحابة ومتقدمي الوفاة منهم .
وقد أشار ابن كثير رحمه الله إلى ضعف هذا الحديث بتصديره بــ " رُوي " ، المشعرة
بالضعف وعدم الثبوت ؛ فقال :
" وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ خَالِدًا سَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ
وَهُوَ فِي الْحَرْبِ ، فَجَعَلَ يَسْتَحِثُّ فِي طَلَبِهَا فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ ،
فَقَالَ: إِنَّ فِيهَا شَيْئًا مِنْ شَعْرِ نَاصِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّهَا مَا كَانَتْ مَعِيَ فِي مَوْقِفٍ إِلَّا
نُصِرْتُ بِهَا " .
انتهى من "البداية والنهاية" (7/ 113) .
وينظر : "مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك الحاكم" لابن الملقن ، حاشية
المحقق (4/1953-1954) .
ثم على فرض صحت القصة وثبوتها : فلم يعد لها واقع عملي ، لأن هذا خاص بآثار
النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد انقطع إسنادها جميعا ، فلم يبق في أيدي الناس شيء
من آثار النبي صلى الله عليه وسلم ، تصح نسبته إليه .
والله أعلم .
تعليق