الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

هل يجوز تحفيظ القرآن للأطفال بالرسوم التوضيحية؟

209088

تاريخ النشر : 11-01-2014

المشاهدات : 83389

السؤال

نرجو منكم مشاهدة هذه الفيديوهات ، التي هي عبارة عن تلاوة لجزء عم ، مع وضع صور توضيحية . الهدف منها أن يتم ربط كلام الله بصور توضيحية تعين الطفل على الحفظ والفهم بسهولة . المشكلة أني قرأت رداً على أحد الفيديوهات يقول إنها شيعية . فهل كلامه صحيح ? وماذا تنصحونا ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :
وسائل تعليم الأطفال تحكمها قواعد العادات المطلقة ، وليس قواعد العبادات التوقيفية ، والتوسع في الوسائل والعادات إحدى أهم أسباب صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ، ومن أهم القواعد التي يجب على المفتي التنبه لها قبل إصدار الأحكام .
وقد تطورت وسائل التعليم في عصور النهضة تطورا كبيرا ، وتنافست فيه المدارس التعليمية لتحقيق أفضل نتيجة في التأثير في عقول الناشئة ، وتقريب المعلومة لهم بالشكل الصحيح والقالب المفيد ، فلم تعد العملية التعليمية تلقينية ترتكز على النص والسماع ، بل ـ كذلك ـ على حاستي البصر واللمس ، الأمر الذي اقتضى إدخال عنصر الصورة الثابتة والمتحركة ، وعنصر التفاعل والحركة والممارسة اليدوية الحقيقية ، كلها عناصر أدت إلى تطور العملية التعليمية بالشكل الذي نراه اليوم .
وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم – وهو سيد المعلمين – وسائل تعليمية مؤثرة بحسب ما كان متيسرا في زمانه ، فاستعمل رسم الأشكال المناسبة للفكرة ، كما ثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : ( خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا ، وَخَطَّ خَطًّا فِي الوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الوَسَطِ . وَقَالَ : هَذَا الإِنْسَانُ ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ ، وَهَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ) رواه البخاري (6417).
واستعمل عليه الصلاة والسلام أسلوب التعليم بالفعل ؛ لأنه أوقع في النفس ، وأثبت في الذاكرة ، فصلى على المنبر – أول ما صُنع – بين يدي الناس ثم قال : ( أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي ) رواه البخاري (917) ، ومسلم (544) .
كما تميز أسلوبه عليه الصلاة والسلام بضرب الأمثلة التي تقرب الصورة والفكرة ، من خلال التشبيه البلاغي بأنواعه المختلفة ، ومن أمثلته حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا ، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ ، فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا ، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا ، وَنَجَوْا جَمِيعًا ) رواه البخاري (2493) .
وهكذا يعلمنا عليه الصلاة والسلام أن الوسائل التعليمية باب مفتوح من أبواب العادات ، جاءت الشريعة بالتيسير فيها ورفع الحرج عنها ، ليتخذ البشر ما يناسب زمانهم ومكانهم ، المهم أن يحققوا أفضل النتائج في تبليغ دعوة الحق والصدق ، ونشر القيم ومحاسن الأخلاق .

ثانيا :
إذا كان الحكم الأصلي في هذه الوسيلة التعليمية والتعبيرية : هو الإطلاق والإباحة ؛ فإن ذلك لا يعني تنزيله على تعليم “نص” القرآن الكريم ، بهذا الإطلاق ، وعرضه معه أثناء التلاوة ؛ فإن مثل هذا العمل ينبغي التأني فيه غاية ما يكون من التأني والتمهل ، وإذا ترخص مترخص في ذلك ، فلا يحل له أن يُطَرِّق مثل هذا التصوير على أمور الغيب ، سواء كان ذلك ماضيا لم نشهده ، أو حاضرا غاب عنا وصفه وهيئته ، كحال الجنة والنار ، وأهوال القبور ، وعالم الملائكة ، بل وعالم الجن والشياطين أيضا ، أو كان ذلك الغيب مما يحكي شيئا من أحوال البعث والنشور والدار الآخرة .
وإذا نقلت صورة لشيء من الحاضر المادي المحسوس الذي يبلغه علم الناس ، ونظرهم ؛ فلا بد أن يكون تقرير أن هذا هو المراد من الآية المتلوة صحيحا منضبطا ، يقره أهل العلم ، الذين يُفترض إشرافهم على مثل تلك المواد .
ومثل هذا التمييز بين عالم الغيب ، الذي يمنع تصويره ، وعالم الشهادة ، الذي يباح عرض شيء من صوره ، متى علمنا أنها المراد من معنى الآية ؛ مثل هذا التمييز يصعب جدا ضبطه في مثل “جزء عم” الذي تدور جل مقاصده على عالم الغيب ، وأمور الدار الآخرة .

وينظر ما سبق حول هذه المسألة ، في موقعنا ، في الفتوى رقم : (131472) .

ثانيا :
أما المقاطع التي ورد رابطها في السؤال ، فقد تابعنا أكثرها ، فوجدنا فيها مخالفات شرعية ظاهرة ، ومنكرات شنيعة ، تستوجب التحذير منها ، والعمل على تصويبها في أي إنتاج يشرف عليه أهل العلم والفضل في المستقبل . فمن ذلك :
1. تصوير أجساد الرسل والأنبياء مع إخفاء معالم وجوههم الشريفة ، وهذا ما يمنعه جماهير العلماء المعاصرين ؛ لأن جميع التفاصيل المتعلقة بالرسل والأنبياء – حتى هيئاتهم وحركاتهم – محل تعظيم وإجلال ، فتصويرها ينزل بمقامها السامي ولا بد ، ويعرض المقام التشريعي الخاص بها إلى التحريف والتشويه .

2. تصوير الملائكة على شكل يشبه البشر ، لكن مع أجنحة طائرة ، وبوجه يشبه ما لدى النصارى في كنائسهم ومنازلهم من تصوير للمسيح وأمه مريم عليهما السلام ، وتصوير الملائكة أيضا كذب وزور ، وشهادة على أمر من الغيب بالباطل ، والخرص والظنون .

3. التلاوة ليست متقنة ، وتشتمل على إخلال كبير في أحكام التجويد المعروفة ، وقد كان الأجدر في مثل هذه المشاهد التعليمية أن تبلغ درجة عالية من الإتقان والتمحيص .

4. تصوير عالم الجنة والنار أو عالم الغيب وما ورد في القرآن الكريم من تفاصيل تخبر عنه ، وتبين وصفه وخبره . وقد بين العلماء حكم تصوير ذلك في فتاوى عديدة ، ننقل هنا بعضها :
سئلت اللجنة الدائمة (المجموعة الثالثة 1/140) السؤال الآتي :
” اطلعت على منشورة باسم (طريق المستقبل) وهو مكون من رسمة لليوم الآخر من الصراط والميزان والجنة والنار…فأرجو منكم توضيح الحق في هذه الأمور ؟
فكان الجواب :
لا يجوز توزيع هذه النشرة التي هي بعنوان ( طريق المستقبل )؛ لما تشتمل عليه من تصوير أمور غيبية من أمور الآخرة كالجنة والنار والصراط والميزان ؛ لأن هذه الأمور لا يحيط العقل بكيفيتها ؛ ولأن هذا العمل يقلل من أهميتها ، وهو عمل مستحدث ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من محدثات الأمور ، فالواجب منع طباعتها ونشرها وتوزيعها ” انتهى .
عبد العزيز آل الشيخ – صالح الفوزان – عبد الله بن غديان – عبد الله الركبان – أحمد المباركي

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” ما حكم رسم بستان كأنه يمثل الجنة ، ونار كأنها تمثل النار ؟
فأجاب :
هذا لا يجوز ؛ لأننا لا نعلم كيفية ذلك ، كما قال عز وجل : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة/17. ولا يعلم كيفية النار ، فهي فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءا ، بما فيها النار الغليظة كنار الغاز وغيرها ، وما هو أشد ، فهل أحد يستطيع أن يمثل النار ؟ لا أحد يستطيع ، ولهذا : بلِّغْ من يفعل ذلك أن هذا حرام ، ومع الأسف الشديد أن الناس الآن بدؤوا يجعلون الأمور الأخروية كأنها أمور حسية مشاهدة ” .
انتهى من ” لقاء الباب المفتوح ” .
وقد سبق تقرير ذلك في موقعنا في الفتاوى رقم : (103075) ، (22723) .

5. يبدو أن الإشراف على هذه المقاطع كان من بعض الرافضة ، بدليل العلامة الظاهرة أعلى الشاشة من جهة الشمال ، وبدليل أسماء من قاموا بتحميل تلك المقاطع . وهذا أمر يدعو إلى الريب والتوقف ؛ إذ لا بد من إشراف لجان متخصصة من المفسرين والتربويين ، ممن عرفوا بالاستقامة وسلامة المنهج ، والأهلية العلمية والتربوية لمثل ذلك ؛ لا بد من إشراف أمثال هؤلاء على مثل هذه المقاطع التصويرية ، وعدم تركها نهبة لأفراد يجتهدون بطريقتهم في عرض معاني القرآن الكريم مصورة ، فيقعون في ما سبق من محاذير ، ويستغلون براءة الطفولة في توجيه تفسير الآيات القرآنية الوجهة التي يريدون ويطلبون . خاصة وأن المحاذير التي ينبغي تجنبها في هذا الإطار كثيرة ، تتكشف بالاشتغال في التأمل بالآيات الكريمة ، والنظر فيما يمكن تقريبه لأذهان الطفل من رسوم ، ولا يخفى كثرة المعاني والمقاصد التي يشتمل عليها القرآن الكريم ، فلا يمكننا وضع ضوابط عامة هنا تشملها جميعها ، لهذا كان لا بد من إشراف العلماء الثقات على إنتاج مثل هذه الوسائل التعليمية .
والخلاصة مما سبق أننا لا نعارض أصل فكرة استعمال الرسوم للأطفال في توضيح بعض معاني القرآن الكريم ، ولكننا نعارض ما يقع خلال ذلك من مخاطر ومفاسد ، ونحذر من التجاوزات التي تهين القرآن ولا ترفعه في نفوس الناشئة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب