الحمد لله.
ذكرت أنك طلقت زوجتك أولا ثم راجعتها ، فهذه التطليقة الأولى , فإن كانت قد وقعت في طهر لم تجامعها فيه فإنها تحتسب واحدة , وإن كانت وقعت أثناء الحيض أو طهر جامعتها فيه فهذا طلاق بدعي , وجماهير أهل العلم على وقوعه خلافا لبعض التابعين ومن وافقهم كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وهذا هو المفتى به في الموقع على ما سبق بيانه وترجيحه في الفتوى رقم : (72417).
لكن بما أنك قد احتسبت هذه التطليقة ، وراجعت زوجتك بعدها : فهي إذن واقعة لا محالة ، حتى وإن كانت بدعية ؛ لأن الرجل إذا طلق طلاقا بدعيا وقلد من يقول بوقوعه من أهل العلم وعمل بفتواه فليس له أن يرجع بعد ذلك - في نفس الحادثة - ويقلد من يقول بعدم الوقوع .
وأصل هذه المسألة أن المقلد إذا قلد في مسألة وعمل فيها بفتوى مجتهد لا يجوز له الرجوع عن ذلك إلى قول مجتهد آخر , وهذا على رأي جماهير أهل العلم وبعضهم يحكي الإجماع على ذلك .
جاء في تيسير التحرير (4 / 253): " لا يرجع المقلد فيما قلد فيه من الأحكام أحدا من المجتهدين (أي عمل به) تفسير لقلد، (اتفاقا) نقل الآمدي وابن الحاجب الإجماع على عدم جواز رجوع المقلد فيما قلد به" انتهى باختصار .
ويراجع في ذلك الفتوى رقم : (158115) .
ثم طلقتها بعد ذلك تطليقتين
صريحتين : كانت إحداهما في الحيض , وهذه التطليقة لا تقع على المفتى به عندنا في
الموقع ، على مابيناه آنفا .
والتطليقة الثانية – من التطليقتين - كانت في طهر لم تمسسها فيه ، وهذه واقعة
باتفاق .
ثم طلقتها أربع تطليقات ، بطريق الكناية مع نية إيقاع الطلاق ، كما ذكرت ، وكنايات الطلاق إذا اقترنت بالنية : وقع بها الطلاق ، كما بيناه في الفتوى رقم : (100997).
فإن كان في هذه التطليقات الأربع تطليقة واحدة ، سواء كانت الأولى ، أو غيرها ، قد وقعت في طهر لم تمسسها فيه : فقد بانت منك زوجتك بينونة كبرى , فلا يحل لك الزواج منها إلا بعد أن تنتهي عدتها ، وتنكح زوجا غيرك ، نكاح رغبة لا تحليل ثم يطلقها أو يموت عنها .
فقولك : " وبعد الحيض " : إن كنت تعني أنها طهرت من الحيض ، وطلقتها ولو مرة من قبل أن تمسها : فقد وقعت بها الطلقة ، وصارت هذه هي الطلقة الثالثة ، وبانت منك امرأتك بذلك .
أما سؤالك عن تكرار الطلاق
في العدة قبل حصول الرجعة فهذا محل خلاف بين أهل العلم , والراجح أن الطلاق لا يقع
إلا إذا راجعها , قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والقول الراجح في هذه المسائل
كلها : أنه ليس هناك طلاق ثلاث أبداً ، إلا إذا تخلله رجعة ، أو عقد ، وإلا فلا يقع
الثلاث ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهو الصحيح " .
انتهى من "الشرح الممتع" (13/94) ، وقد سبق بيان هذه المسألة في الفتوى رقم : (126549)
.
لكن السؤال عن هذا لا يفيدك شيئا في مسألتك ، إذا كنت قد راجعتها بعد الطلقة الثانية ، ثم أوقعت عليها بعد ذلك طلاق الكناية الذي ذكرته .
فالطلقات التي وقعت في أسبوع
واحد ، أو في نفس العدة ، على حد تعبيرك : ليس لك منها إلا طلقة واحدة ، فمتى وقعت
: بانت منك امرأتك ، فإن كانت هي الأولى ، فقد بانت منك امرأتك بينونة كبرى بذلك ،
لأنك طلقتها قبل ذلك مرتين ، ولا فائدة لك من النظر في مسألة الطلاق في العدة .
ومثل ذلك : لو لم تقع الأولى من هذه الأربع ، بأن كانت في الحيض ، وطلقتها الثانية
، أو الرابعة بعد انتهاء حيضها ، وقبل أن تمسها ، فقد بانت منك بذلك أيضا .
وأما إذا كنت تقصد أن الطلقات الستة قد وقعت في نفس العدة ، بحيث إنك لم تراجعها بعد الطلقة الثانية ، بل عدت فأوقعت عليها أربع طلقات كناية ، وهي في نفس عدتها ، من قبل أن تراجعها : فهنا فقط يرد الكلام على عدم وقوع الطلاق في العدة ، قبل الرجعة ، ويحق لك أن تراجعها ، إذا لم تكن قد وقعت هذه الطلقة الأخيرة .
فانظر ـ في ضوء ما ذكرنا لك ـ ماذا كان من أمرك ذلك ، واتق الله في حدوده ، واحذر أن تتعداها بتسويل ، أو تأويل لنفسك ، وإن أشكل عليك شيء من أمرك ، فاعرض مشكلتك أنت وزوجتك ، بالتفصيل ، على من تثقون في علمه ودينه واستقامة منهجه .
ثم ننصحك أيها السائل الكريم أن تتجنب الطلاق في حل مشكلاتك , فالمشاكل الزوجية تعالج في جو من المودة والتفاهم ومراعة الحقوق من الجانبين .
والله أعلم .
تعليق