الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

صور نكاح الشغار ، ومتى يكون باطلا ؟

السؤال

أنا متزوجة من ابن عمي منذ سنة تقريباً ، ولكنني في حيرة من أمري بخصوص صحة زواجي ، فأخت زوجي متزوجة من أخي وقد قرأت على موقعكم أنّ هذا النوع من الزواج يدعى نكاح الشغار وهو مُحرّم في الإسلام ، مع العلم أنّ هذا الأمر شائع جداً في باكستان وأفغانستان ويطلق عليه في لغة الباشتو " زواج البدل " وهو يمارس منذ فترة طويلة جداً ، فإذا كان الزواج بهذه الطريقة محرما في الشريعة لماذا لا نجد من يعترض عليه من الأئمة ، ولا نجدهم يمتنعون عن عقد النكاح بتلك الطريقة ؟ لقد بحثت عن معلومات حول نكاح الشغار ولكن لا زلت لا أدري إن كان زواجي يعتبر من هذا النوع أم لا ، حيث وجدت أقولاً مختلفة للعلماء حول هذه المسألة ، فعلى سبيل المثال وجدت أنّ المذهب الحنفي يرى صحة العقد ووجوب المهر ، بينما ترى المذاهب الأخرى خلاف ذلك ، فما هو نكاح الشغار ؟ وهل زواجي يندرج تحت نكاح الشغار ؟ وما هو الحل إذا كان الزوجان سعيدين في حياتهما ولديهما أطفال من هذا الزواج ؟ هل ينبغي عليهما الطلاق مع الأخذ بعين الاعتبار المشاكل التي ستنتج عن ذلك بين العائلات ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :
" الشغار " أو ما يسميه الناس بـ " زواج البدل " جاءت الشريعة الاسلامية بتحريمه والنهي عنه ؛ لما فيه من ظلم للمرأة ، وهضم لحقها ، وتلاعب بمسؤولية الولاية .
فعن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ ) رواه مسلم (1415) .

وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قال : ( نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ) رواه مسلم (1417) .

ثانيا :
الزواج على سبيل البدل له ثلاث صور :
الأولى : أن يتزوج كلُّ واحدٍ منهما من قريبة الآخر ومن هي تحت ولايته ، دون اشتراط أن يكون زواج أحدهما مبنياً على زواج الآخر ومتوقفاً عليه ، ومع وجود مهر مقرَّر لكلٍّ منهما .
فهذه الصورة ليست من " نكاح الشغار " ولا حرج فيها .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى " ( 18/427 ) :
" أما إن خطب هذا مولية هذا ، وخطب الآخر موليته ، من دون مشارطة ، وتم النكاح بينهما برضى المرأتين مع وجود بقية شروط النكاح : فلا خلاف في ذلك ، ولا يكون حينئذ من نكاح الشغار " انتهى .

الثانية : أن يتم الزواج بشرط أن يزوج كل واحد منهما موليته من الآخر ، مع عدم وجود مهر لهما ، بحيث يكون بُضْعُ كل واحدةٍ منهما فِي مُقابَلة بضْع الأخرَى .
فهذه الصورة من الشغار المنهي عنه في السنة النبوية باتفاق العلماء .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
" فَإِذَا أَنْكَحَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا مَنْ كَانَتْ ، عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا مَنْ كَانَتْ ، عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى ، وَلَمْ يُسَمَّ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقٌ : فَهَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلاَ يَحِلُّ النِّكَاحُ ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ " انتهى من " الأم " (6/198) .

وقال ابن عبد البر رحمه الله :
" وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَةِ : فَهُوَ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ وَلَيَّتَهُ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْآخَرُ وَلَيَّتَهُ ، وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بُضْعُ هَذِهِ بِبُضْعِ هَذِهِ ، عَلَى مَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ " انتهى من " الاستذكار " (5/465) .
وقال – أيضاً - : " وهذا ما لا خلاف بين العلماء فيه أَنَّهُ الشِّغَارُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " انتهى من " التمهيد " (14/70) .

وقال ابن رشد رحمه الله :
" فَأَمَّا نِكَاحُ الشِّغَارِ ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صِفَتَهُ هُوَ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ وَلِيَّتَهُ رَجُلًا آخَرَ عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ ، وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بُضْعَ هَذِهِ بِبُضْعِ الْأُخْرَى ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ نِكَاحٌ غَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ " انتهى من " بداية المجتهد " (3/80) .

وهذا الحكم لا يقتصر على البنت أو الأخت ، بل يشمل كل من كانت تحت ولايته .
قال النووي رحمه الله :
" وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْبَنَاتِ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْإِمَاءِ ، كَالْبَنَاتِ فِي هَذَا " انتهى من " شرح صحيح مسلم " (9/201) .

وعلماء المذهب الحنفي يوافقون جمهور العلماء على أن هذه الصورة من النكاح ، منهي عنها ولا تجوز ، إلا أنهم يصححون النكاح ، ويوجبون فيه مهر المثل لكل واحدة منهما ، قالوا : وبذلك لا يكون شغارا .
انظر : المبسوط (5/105) ، بدائع الصنائع (2/278) .

الثالثة : أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو من هي تحت ولايته ، بشرط أن يزوجه الآخر ابنته أو موليته ، لكن مع وجود مهرٍ لكلٍّ منهما ، سواء كان متساوياً أو مختلفاً .
فهذه الصورة محل خلاف بين العلماء .
فذهب بعض العلماء إلى أن هذه الصورة تدخل في الشغار المنهي عنه أيضاً ، وأن وجود الشرط كافٍ في جعلها من نكاح الشغار ، وهو قول الظاهرية ، واختاره بعض العلماء من الشافعية والحنابلة .

قال الخرقي – الحنبلي - رحمه الله :
" وإذا زوجه وليته ، على أن يزوجه الآخر وليته : فلا نكاح بينهما ، وإن سموا مع ذلك أيضا صداقا " انتهى من " مختصر الخرقي " (ص 238 ) ، وانظر : " المحلى " لابن حزم (9/118) .

واختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ، واللجنة الدائمة للإفتاء ، فجاء في فتواهم :
" إذا زوَّج الرجل موليته لرجل ، على أن يزوجه الآخر موليته : فهذا هو نكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الذي يسميه بعض الناس نكاح " البدل " ، وهو نكاح فاسد ، سواء سمِّي فيه مهر أم لا ، وسواء حصل التراضي أم لا " انتهى " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى " (18/427) .

واحتجوا بما رواه مسلم في صحيحه (1416) من طريق ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي ، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي " .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" والصواب أنه يكون شغارا مطلقا ، إذا كان فيه الشرط ؛ لظاهر الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( والشغار أن يقول الرجل : زوجني أختك وأزوجك أختي أو زوجني بنتك وأزوجك بنتي ) ، ولم يقل : وليس بينهما صداق ، بل أطلق " انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز" (20/280) .

وقال – أيضاً - رحمه الله :
" نكاح البدل لا يجوز ، ويسمى نكاح الشغار ، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث ، فلا يجوز نكاح البدل بالمشارطة ، يقول هذا : زوجني أختك ، وأزوجك أختي ، أو زوجني بنتك وأزوجك بنتي ، هذا هو نكاح البدل ويقال له : نكاح الشغار ، ولو سمى مهرا ، ولو تساوى المهر ، ولو اختلف المهر ، ما دام فيه مشارطة لا يجوز " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن باز (21/26) .

وهذا النكاح يسميه المالكية : " وجه الشغار " ، والحكم فيه عندهم : أنه يفسخ قبل الدخول استحباباً ، وأما بعد الدخول فيحكم بصحته ، مع ثبوت الأكثر من مهر المثل ، أو المهر المسمى لكل منهما .

ففي " التهذيب في اختصار المدونة " (2/132) :
" وإن قال له : زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتى بمائة ، أو قال : بخمسين ، فلا خير فيه ، وهو من وجه الشغار ، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده ، ويكون لكل واحدة منهما الأكثر من التسمية أو صداق المثل ، وليس هذا بصريح الشغار لدخول الصداق فيه " انتهى .

وإنما سمي " وجه الشغار" : " لِأَنَّهُ شِغَارٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، فَحَيْثُ إنَّهُ سَمَّى لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقًا ، لَيْسَ بِشِغَارٍ ؛ لِعَدَمِ خُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ الصَّدَاقِ ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرْطُ تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ، فَهُوَ شِغَارٌ " انتهى من " حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني " (2/52) .

والذي عليه جمهور العلماء : أن هذا النكاح لا يعد من الشغار ، إذا تم تسمية مهرٍ لكلٍّ منهما .
قَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ رحمه الله :
" وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا ، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ ، أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا ، عَلَى أَنَّ صَدَاقَ إحْدَاهُمَا كَذَا ، لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ ، وَصَدَاقَ الْأُخْرَى كَذَا ، لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ ، أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ... = فَلَيْسَ هَذَا بِالشِّغَارِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ " انتهى من " الأم " (5/83) .

وقال ابن قدامة رحمه الله :
" فَأَمَّا إنْ سَمَّوْا مَعَ ذَلِكَ صَدَاقًا ، فَقَالَ : زَوَّجْتُك ابْنَتِي ، عَلَى أَنْ تُزَوِّجُنِي ابْنَتَك ، وَمَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ ، أَوْ مَهْرُ ابْنَتِي مِائَةٌ وَمَهْرُ ابْنَتِك خَمْسُونَ ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ : صِحَّتُهُ " انتهى من " المغني" (7/177) .

وقال ابن القيم : " وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ :
فَقِيلَ : هِيَ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَقْدَيْنِ شَرْطًا فِي الْآخَرِ .
وَقِيلَ : الْعِلَّةُ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ ، وَجَعْلُ بُضْعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرًا لِلْأُخْرَى ، وَهِيَ لَا تَنْتَفِعُ بِهِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهَا الْمَهْرُ ، بَلْ عَادَ الْمُهْرُ إِلَى الْوَلِيِّ ، وَهُوَ مِلْكُهُ لِبُضْعِ زَوْجَتِهِ بِتَمْلِيكِهِ لِبُضْعِ مُوَلِّيَتِهِ ، وَهَذَا ظُلْمٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَرْأَتَيْنِ ، وَإِخْلَاءٌ لِنِكَاحِهِمَا عَنْ مَهْرٍ تَنْتَفِعُ بِهِ .
وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلُغَةِ الْعَرَبِ ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : بَلَدٌ شَاغِرٌ مِنْ أَمِيرٍ ، وَدَارٌ شَاغِرَةٌ مِنْ أَهْلِهَا : إِذَا خَلَتْ ، وَشَغَرَ الْكَلْبُ : إِذَا رَفَعَ رِجْلَهُ وَأَخْلَى مَكَانَهَا .
فَإِذَا سَمَّوْا مَهْرًا مَعَ ذَلِكَ زَالَ الْمَحْذُورُ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اشْتِرَاطُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ شَرْطًا لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ ، فَهَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ " انتهى من " زاد المعاد في هدي خير العباد " (5/99) .

ويدل على هذا : ما رواه البخاري (5112) ، ومسلم (1415) من طريق مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ " ، " وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ " .

قَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ رحمه الله :
" لاَ أَدْرِي تَفْسِيرَ الشِّغَارِ فِي الْحَدِيثِ ، أَوْ مِنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَوْ نَافِعٍ ، أَوْ مَالِكٌ " انتهى من " الأم " للشافعي (6/197) .

وقد جاء ما يدل على أن هذا التفسير من نافع رحمه الله تعالى .
ففي صحيح البخاري (6960) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عمر العمَري ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ " .
قُلْتُ لِنَافِعٍ : مَا الشِّغَارُ ؟
قَالَ : " يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ " .

وقال الجوهري في " الصحاح " (2/700) :
" والشِغارُ بكسر الشين : نِكاح كان في الجاهلية ، وهو أن يقول الرجل لآخر : زَوِّجْني ابنتك أو أختك على أن أزوِّجك أختي أو ابنتي ، على أنَّ صداق كلِّ واحدة منهما بُضْعُ الأخرى ، كأنَّهما رفعا المهر وأخليا البُضْعَ عنه " انتهى .

وأما ما رواه مسلم من طريق ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بن عمر العمري ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي ، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي " .

فإن تفسير الشغار فيه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ، فقد رواه النسائي (6/112) : وبين فيه أن تفسير الشغار ، هو في قول عبيد الله بن عمر العمري - أحد رواة الحديث - ، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم .

وعلى هذا ، فلا حجة في هذا التفسير ، بل تفسير نافع أولى بالقبول منه .

وما ذهب إليه جمهور العلماء : أقوى وأرجح ، فإذا فُرض لها مهر مثلها ، وكان الزوج كفئا رضيت المرأة به : فليس هذا بنكاح الشغار .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَالصَّوَابُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد فِي عَامَّةِ أَجْوِبَتِهِ ؛ وَعَامَّةُ أَكْثَرِ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ : أَنَّ الْعِلَّةَ فِي إفْسَادِهِ بِشَرْطِ إشْغَارِ النِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (34/126) .

وقد اختار هذا القول سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله ، فإنه سئل عن نكاح البدل إذا كانت كل واحدة من الزوجتين راضية وكان لها مهرها كاملا .
فأجاب : " إذا كان الأمر كما ذكرت من أن لكل واحدة من الزوجين مهر مثلها ، وأن كل واحدة منهما راضية بالزواج من الآخر : فلا بأس بالزواج المذكور ، وليس من الشغار المحرم ، وبالله التوفيق " انتهى من " فتاوى الشيخ محمد بن ابراهيم " (10/159) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا كان المهر مهر مثلها لم ينقص ، والمرأة قد رضيت بالزوج ، وهو كفء لها ، فإن هذا صحيح ، وهذا هو الصحيح عندنا ، أنه إذا اجتمعت شروط ثلاثة : وهي الكفاءة ، ومهر المثل ، والرضا ، فإن هذا لا بأس به ؛ لأنه ليس هناك ظلم للزوجات ، فقد أعطين المهر كاملاً ، وليس هناك إكراه ، بل غاية ما هنالك أن كل واحد منهما قد رغب ببنت الآخر ، فشرط عليه أن يزوجه ... .
فظاهر الأدلة يقتضي أنه إذا وجد مهر العادة ، والرضا ، والكفاءة : فلا مانع " انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12/174) .

ومع القول بصحة العقد في هذه الصورة ، إلا أنه لا ينبغي سلوك هذه الطريق في الزواج .

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في " مجموع فتاويه " (10/158) :
" وينبغي أن يلاحظ في المستقبل : بأن لا يعقد نكاحا فيه مبادلة ، سواء ذكر فيه مهرا أم لا ؛ لقوة القول بفساده ؛ لما فيه من فساد عظيم ؛ لأنه يفضي إلى إجبار النساء على نكاح من لا يرغبن فيه ، إيثارا لمصلحة الأولياء على مصلحة النساء ، وهذا ، كما لا يخفى : لا يجوز ؛ ولأنه يؤدي أيضا إلى حرمان النساء من مهور أمثالهن ، كما هو الواقع بين غالب الناس المتعاطين لهذا الأمر ، كما أنه يفضي إلى كثير من النزاع والخصومات بعد الزواج " انتهى .

ثالثاً :
إذا وقع نكاح الشغار – يعني : في الصورة التي اتفق العلماء على أنها من الشغار المنهي عنه ، على ما سبق - فهو باطل يجب فسخه عند جمهور العلماء ، وتجديد العقد .

سئل الإمام مالك رحمه الله كما في " المدونة الكبرى " (2/98) :
" أَرَأَيْتَ نِكَاحَ الشِّغَارِ إذَا وَقَعَ ، فَدَخَلَا بِالنِّسَاءِ وَأَقَامَا مَعَهُمَا حَتَّى وَلَدَتَا أَوْلَادًا ؛ أَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا أَمْ يُفْسَخُ ؟
قَالَ : قَالَ مَالِكٌ : يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ " انتهى .

وقال الشافعي :
" فَلاَ يَحِلُّ النِّكَاحُ ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ " انتهى من " الأم " (6/198) .

وقال ابن قدامة رحمه الله :
" وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ ، فِي أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ فَاسِدٌ " انتهى من " المغني " (10/42) .

وقال ابن عبد البر رحمه الله المالكي :
" وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ هَذَا النِّكَاحِ ، وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ " انتهى من " الاستذكار " (16/203) .

وعليه :
فمن تبين له أن زواجه كان على سبيل الشغار ، فيجب عليه فسخ هذا النكاح ، وعقده من جديد مع توفر سائر شروطه ، وأن يفرض للمرأة فيه مهراً يتراضيان عليه ، فقد سئل سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله عن نكاح الشغار فقال :
" النكاح فاسد ، ويلزم التفريق بينهما... ثم بعد ذلك هو خاطب من الخطاب إذا رغبته المرأة ودفع لها مهر مثلها : جاز له نكاحها بعقد جديد " انتهى من " فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ " (10/160) .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" فيزوجه وليها من جديد ، بعقد شرعي ومهر شرعي ، وبحضور شاهدين ، ولا حاجة إلى عدة بل في الحال ؛ لأن الماء ماؤه ... أما إذا كان لا يرغب فيها ، وهي لا ترغب فيه ، فيطلقها طلقة واحدة ، فإذا اعتدت تزوجها من شاءت " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن باز (21/39) .

ولكن سبق أن علماء المذهب الحنفي يصححون النكاح في هذه الصورة ، ويوجبون مهر المثل لكل امرأة .
فمن قلدهم في هذا القول ، أو كان في بلد عامة أهله على المذهب الحنفي ، أو القضاء في محاكمهم عليه : فإنه لا يفسخ نكاحه ، كما هي القاعدة في المسائل الاجتهادية .

قال ابن قدامة رحمه الله ، بعد الكلام على بطلان النكاح من غير ولي ، كما هو مذهب جمهور العلماء ، خلافا للأحناف :
" فَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ حَاكِمٌ ، أَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي لِعَقْدِهِ حَاكِمًا : لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ
؛ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ " انتهى من " المغني " (7/6) .

وقال ابن مفلح رحمه الله :
" وَمَنْ قَلَّدَ فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ ، لَمْ يُفَارِقْ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ ؛ كَحُكْمٍ " انتهى من " الفروع " (11/218) .

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن نكاح التحليل ، وماذا لو قلد المسلم بعض العلماء الذين أجازوه ؟
فأجاب :
" التَّحْلِيلُ الَّذِي يَتَوَاطَئُونَ فِيهِ مَعَ الزَّوْجِ - لَفْظًا أَوْ عُرْفًا - عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ أَوْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ ذَلِكَ : مُحَرَّمٌ ؛ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعِلَهُ فِي أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ ... وَلَا تَحِلُّ لِمُطَلَّقِهَا الْأَوَّلِ بِمِثْلِ هَذَا الْعَقْدِ ، وَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْمُحَلِّلِ إمْسَاكُهَا بِهَذَا التَّحْلِيلِ ؛ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا .
لَكِنْ إذَا كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ بِاجْتِهَادِ ، أَوْ تَقْلِيدٍ : جَوَازُ ذَلِكَ ؛ فَتَحَلَّلَتْ وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ : فَالْأَقْوَى : أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا ؛ بَلْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَقَدْ عَفَا اللَّهُ فِي الْمَاضِي عَمَّا سَلَفَ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (32/151-152) .
وبناء على هذا ؛ فنكاحك صحيح ، ولكن ينهى الناس عن فعل ذلك في المستقبل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب