الحمد لله.
أولا :
الماء المتبقي على الجسد من أثر الغسل أو الوضوء لا يخرج عن أصله وهو الطهارة ، وقد أجمع أهل العلم على أن الرجل المحدث الذي لا نجاسة على أعضائه لو صُب ماءٌ على وجهه أو ذراعيه ، فسال ذلك عليه وعلى ثيابه : أنه طاهر .
انظر جواب السؤال رقم : (197361) .
روى البخاري (5616) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ فِي رَحَبَةِ الكُوفَةِ ، حَتَّى حَضَرَتْ صَلاَةُ العَصْرِ ، ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ ، فَشَرِبَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ، وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قِيَامًا ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ " .
ورواه النسائي (136) ، وأحمد (971) عَنْ أَبِي حَيَّةَ قَالَ : " رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَ وَضُوئِهِ ، وَقَالَ : (صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَنَعْتُ ) " وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .
فهذا دليل واضح على جواز الشرب من فضل الوضوء .
قال العيني رحمه الله :
" الْمرَاد من فضل الْوضُوء يحْتَمل أَن يكون مَا يبْقى فِي الظّرْف بعد الْفَرَاغ من الْوضُوء ، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ المَاء الَّذِي يتقاطر عَن أَعْضَاء المتوضئ ، وَهُوَ المَاء الَّذِي يَقُول لَهُ الْفُقَهَاء : المَاء الْمُسْتَعْمل " انتهى من "عمدة القاري" (3/ 73) .
وقال ابن بطال رحمه الله :
" ... قال المهلب : هذا الباب كله يقتضى طهارة فضل الوضوء ، وهو الماء الذى يتطاير عن المتوضئ ، ويجمع بعدما غسل به أعضاء الوُضُوء " انتهى من "شرح صحيح البخارى" (1/ 289) .
ثانيا :
هل يستحب الشرب من فضل الوضوء ؟
جاء في " الموسوعة الفقهية " (43/ 378) :
" نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ
الْوُضُوءِ أَنْ يَشْرَبَ الْمُتَوَضِّئُ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنَ الْوُضُوءِ ، مِنَ
الْمَاءِ الَّذِي زَادَ فِي الإْنَاءِ ، لِمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ .
قَال الْكَمَال : يَشْرَبُ الْمُتَوَضِّئُ فَضْل وُضُوئِهِ ، قَائِمًا
مُسْتَقْبِلاً ، قِيل : وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا .
وَقَال الْحَصَكْفِيُّ وَابْنُ عَابِدِينَ وَغَيْرُهُمَا : يَشْرَبُ الْمُتَوَضِّئُ
بَعْدَ الْوُضُوءِ مِنْ فَضْل وُضُوئِهِ ـ
التَّشْبِيهُ فِي الشُّرْبِ مُسْتَقْبِلاً قَائِمًا ، لاَ فِي كَوْنِهِ بَعْدَ
الْوُضُوءِ ـ مُسْتَقْبِل الْقِبْلَةِ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا .
وَيَقُول عَقِبَ الشُّرْبِ : اللَّهُمَّ اشْفِنِي بِشِفَائِكَ ، وَدَاوِنِي
بِدَوَائِكَ ، وَاعْصِمْنِي مِنَ الْوَهَل وَالأْمْرَاضِ وَالأْوْجَاعِ . قَال فِي
الْحِلْيَةِ : وَالْوَهَل هُنَا ـ بِالتَّحْرِيكِ ـ الضَّعْفُ وَالْفَزَعُ ، وَلَمْ
أَقِفْ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ مَأْثُورًا ، وَهُوَ حَسَنٌ " انتهى .
لكن : ليس هناك ما يدل على استحباب ذلك ، وخاصة هذا الدعاء ، فقد نص من ذكره من الفقهاء على أنه لم يره مأثورا .
والراجح - والله أعلم - أن
الشرب من فضل الوضوء جائز ، ولا دليل على الاستحباب ، والظاهر أنه حصل من النبي صلى
الله عليه وسلم اتفاقا ، وإنما ذكر علي رضي الله عنه هذا الحديث لبيان جواز الشرب
قائما ، لا لبيان فضيلة الشرب من فضل الوضوء ؛ فقد تقدم حديث البخاري (5616) وفيه :
" ... ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ نَاسًا
يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قِيَامًا ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ ".
وأورده البخاري في " بَابُ الشُّرْبِ قَائِمًا "
ورواه أحمد (943) عن عبد خير عن عليّ وفيه : ... " ثُمَّ شَرِبَ فَضْلَ وَضُوئِهِ
وَهُوَ قَائِمٌ ، ثُمَّ قَالَ: " أَيْنَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا
يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَشْرَبَ قَائِمًا ؟ "
وحسنه محققو المسند .
وحاصل ذلك كله أن يقال :
الشرب من فضل الوضوء - وهو الماء المتبقي في الإناء بعد الوضوء – جائز ، لا حرج فيه
، ولو قطر فيه الماء من الجسم ، من الأنف أو الفم أو أي عضو من الأعضاء ، بعد
الوضوء أو أثنائه لم يضره ذلك ، ولم يمنع من شربه ، متى قبلته نفسه ، ولم يستقذره
طبعه .
فإن عافه وكره شربه : فلا حرج عليه في ذلك أيضا ، وليس فيه ترك سنة ، ولا خلاف
فضيلة .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (106643)
، (135281) .
والله تعالى أعلم .
تعليق